(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣٥)
____________________________________
هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) احتجاج آخر على حقية التوحيد وبطلان الإشراك بإظهار كون شركائهم بمعزل من استحقاق الإلهية ببيان اختصاص خواصها من بدء الخلق وإعادته به سبحانه وتعالى وإنما لم يعطف على ما قبله إيذانا باستقلاله فى إثبات المطلوب والسؤال للتبكيت والإلزام وقد جعلت علية الإعادة وتحققها لوضوح مكانها وسنوح برهانها بمنزلة بدء الخلق فنظمت فى سلكه حيث قيل (مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) * إيذانا بتلازمهما وجودا وعلما يستلزم الاعتراف بها وإن صدهم عن ذلك ما بهم من المكابرة والعناد ثم أمر صلىاللهعليهوسلم بأن يبين لهم من يفعل ذلك فقيل له (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أى هو يفعلهما لا غير كائنا* ما كان لا بأن ينوب صلىاللهعليهوسلم عنهم فى ذلك كما قيل لأن القول المأمور به غير ما أريد منهم من الجواب وإن كان مستلزما له إذ ليس المسئول عنه من يبدأ الخلق ثم يعيده كما فى قوله تعالى (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ) حتى يكون القول المأمور به عين الجواب الذى أريد منهم ويكون صلىاللهعليهوسلم نائبا عنهم فى ذلك بل إنما هو وجود من يفعل البدء والإعادة من شركائهم فالجواب المطلوب منهم لا لا غير نعم أمر صلىاللهعليهوسلم بأن يضمنه مقالته إيذانا بتعينه وتحققه وإشعارا بأنهم لا يجترئون على التصريح به مخافة التبكيت وإلقام الحجر لا مكابرة ولجاجا فتدبرو إعادة الجملة فى الجواب بتمامها غير محذوفة الخبر كما فى الجواب السابق لمزيد التأكيد والتحقيق (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) الإفك الصرف والقلب عن الشىء وقد يخص بالقلب عن الرأى وهو الأنسب بالمقام* أى كيف تقلبون من الحق إلى الباطل والكلام فيه كما ذكر فى تصرفون (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) احتجاج آخر على ما ذكر جىء به إلزاما لهم غب إلزام وإفحاما إثر إفحام وفصله عما قبله لما ذكر من الدلالة على استقلاله (مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) أى بوجه من الوجوه فإن أدنى مراتب المعبودية هداية المعبود لعبدته إلى ما فيه* صلاح أمرهم وأما تعيين طريق الهداية وتخصيصه بنصب الحجج وإرسال الرسل والتوفيق للنظر والتدبر كما قيل فمخل بما يقتضيه المقام من كمال التبكيت والإلزام فإن العجز عن الهداية على وجه خاص لا يستلزم العجز عن مطلق الهداية وهدى كما يستعمل بكلمة إلى لتضمنه معنى الانتهاء يستعمل باللام للدلالة على أن المنتهى غاية الهداية وأنها لم تتوجه نحوه على سبيل الاتفاق ولذلك استعمل بها ما أسند إلى الله تعالى حيث قيل (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ) أى هو يهدى له دون غيره وذلك بما ذكر من نصب الأدلة والحجج وإرسال* الرسل وإنزال الكتب والتوفيق للنظر والتدبر وغير ذلك من فنون الهدايات والكلام فى الأمر بالسؤال والجواب كما مر فيما مر (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) وهو الله عزوجل (أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي) بكسر* الهاء أصله يهتدى فأدغم وكسرت الهاء لالتقاء الساكنين وقرىء بكسر الياء اتباعا لها لحركة الهاء وقرىء بفتح الهاء نقلا لحركة التاء إليها أى لا يهتدى بنفسه فضلا عن هداية غيره وفيه من المبالغة ما لا يخفى وإنما نفى عنه الاهتداء مع أن المفهوم مما سبق نفى الهداية لما أن نفيها مستتبع لنفيه غالبا فإن من اهتدى إلى الحق