(فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٣٤)
____________________________________
أنفسكم عذابه الذى ذكر لكم بما تتعاطونه من إشراككم به ما لا يشاركه فى شىء مما ذكر من خواص الإلهية (فَذلِكُمُ) فذلكة لما تقدم أى ذلكم الذى اعترفتم باتصافه بالنعوت المذكورة وهو مبتدأ وقوله* تعالى (اللهُ) خبره وقوله تعالى (رَبُّكُمُ) أى مالككم ومتولى أموركم على الإطلاق بدل منه أو بيان له* وقوله تعالى (الْحَقُّ) صفة له أى ربكم الثابت ربوبيته والمتحقق ألوهيته تحققا لا ريب فيه (فَما ذا) يجوز أن يكون الكل اسما واحدا قد غلب فيه الاستفهام على اسم الإشارة وأن يكون ذا موصولا بمعنى الذى* أى ما الذى (بَعْدَ الْحَقِّ) أى غيره بطريق الاستعارة وإظهار الحق إما لأن المراد به غير الأول وإما لزيادة التقرير ومراعاة كمال المقابلة بينه وبين الضلال والاستفهام إنكارى بمعنى إنكار الوقوع ونفيه أى* ليس غير الحق (إِلَّا الضَّلالُ) الذى لا يختاره أحد فحيث ثبت أن عبادة من هو منعوت بما ذكر من النعوت الجميلة حق ظهر أن ما عداها من عبادة الأصنام ضلال محض إذ لا واسطة بينهما وإنما سميت ضلالا مع كونها من أعمال الجوارح باعتبار ابتنائها على ما هو ضلال من الاعتقاد والرأى هذا على تقدير كون الحق عبارة عن التوحيد وأما على تقدير كونه عبارة عن الأول فالمراد بالضلال هو الأصنام لا عبادتها والمعنى فماذا بعد الرب الحق الثابت ربوبيته إلا الضلال أى الباطل الضائع المضمحل وإنما سمى بالمصدر مبالغة كأنه نفس الضلال والضياع وهذا أنسب بقوله تعالى (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) * على التفسير الثانى (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) استفهام إنكارى بمعنى إنكار الواقع واستبعاده والتعجيب منه وفيه من المبالغة ما ليس فى توجيه الإنكار إلى نفس الفعل لأن كل موجود لا بد من أن يكون وجوده على حال من الأحوال قطعا فإذا انتفى جميع أحوال وجوده فقد انتفى وجوده على الطريق البرهانى كما مر مرارا والفاء لترتيب الإنكار على ما قبله أى كيف تصرفون من الحق الذى لا محيد عنه وهو التوحيد إلى الضلال عن السبيل المستبين وهو الإشراك وعبادة الأصنام أو من عبادة ربكم الحق الثابت ربوبيته إلى عبادة الباطل الذى سمعتم ضلاله وضياعه فى الآخرة وفى إيثار صيغة المبنى للمفعول إيذان بأن الانصراف من الحق إلى الضلال مما لا يصدر عن العاقل بإرادته وإنما يقع عند وقوعه بالقسر من جهة صارف خارجى (كَذلِكَ) أى كما حقت الربوبية لله تعالى أو كما أنه ليس بعد الحق إلا الضلال أو أنهم* مصروفون عن الحق (حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) وحكمه وقضاؤه (عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) أى تمردوا فى الكفر وخرجوا من أقصى حدوده (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بدل من الكلمة أو تعليل لحقيتها والمراد بها العدة بالعذاب (قُلْ