(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٥٤)
____________________________________
الاستعجال (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) أى يستخبرونك فيقولون على طريقة الاستهزاء أو الإنكار (أَحَقٌّ هُوَ) أحق خبر قدم على المبتدأ الذى هو الضمير للاهتمام به ويؤيده قوله تعالى (إِنَّهُ لَحَقٌ) أو مبتدأ والضمير مرتفع به ساد مسد الخبر والجملة فى موقع النصب بيستنبئونك وقرىء أالحق هو تعريضا بأنه باطل كأنه قيل أهو* الحق لا الباطل أو أهو الذى سميتموه الحق (قُلْ) لهم غير ملتفت إلى استهزائهم مغضيا عما قصدوا* وبانيا للأمر على أساس الحكمة (إِي وَرَبِّي) إى من حروف الإيجاب بمعنى نعم فى القسم خاصة كما أن* هل بمعنى قد فى الاستفهام خاصة ولذلك يوصل بواوه (إِنَّهُ) أى العذاب الموعود (لَحَقٌّ) لثابت البتة أكد الجواب بأتم وجوه التأكيد حسب شدة إنكارهم وقوته وقد زيد تقريرا وتحقيقا بقوله عز اسمه* (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أى بفائتين العذاب بالهرب وهو لا حق بكم لا محالة وهو إما معطوف على جواب القسم أو مستأنف سيق لبيان عجزهم عن الخلاص مع ما فيه من التقرير المذكور (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) * بالشرك أو التعدى على الغير أو غير ذلك من أصناف الظلم ولو مرة حسبما يفيده كون الصفة فعلا (ما فِي الْأَرْضِ) أى ما فى الدنيا من خزائنها وأموالها ومنافعها قاطبة بما كثرت (لَافْتَدَتْ بِهِ) أى لجعلته فدية* لها من العذاب من افتداه بمعنى فداه (وَأَسَرُّوا) أى النفوس المدلول عليها بكل نفس والعدول إلى صيغة الجمع مع تحقق العموم فى صورة الإفراد أيضا لإفادة تهويل الخطب بكون الاسرار بطريق المعية والاجتماع وإنما لم يراع ذلك فيما سبق لتحقيق ما يتوخى من فرض كون جميع ما فى الأرض لكل واحدة من النفوس وإيثار صيغة الجمع المذكر لحمل لفظ النفس على الشخص أو لتغليب ذكور مدلوله على إناثه* (النَّدامَةَ) على ما فعلوا من الظلم أى أخفوها ولم يظهروها لكن لا للاصطبار والتجلد هيهات ولات حين* اصطبار بل لأنهم بهتوا (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) أى عند معاينتهم من فظاعة الحال وشدة الأهوال ما لم يكونوا يحتسبون فلم يقدروا على أن ينطقوا بشىء فلما بمعنى حين منصوب بأسروا أو حرف شرط حذف جوابه لدلالة ما تقدم عليه وقيل أسرها رؤساؤهم ممن أضلوهم حياء منهم وخوفا من توبيخهم ولكن الأمر أشد من أن يعتريهم هناك شىء غير خوف العذاب وقيل أسروا الندامة أخلصوها لأن إسرارها إخلاصها أو لأن سر الشىء خالصته حيث تخفى ويضن بها ففيه تهكم بهم وقيل أظهر والندامة من قولهم أسر الشىء* وأشره إذا ظهره حين عيل صبره وفتى تجلده (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أى أوقع القضاء بين الظالمين من المشركين وغيرهم من أصناف أهل الظلم بأن أظهر الحق سواء كان من حقوق الله سبحانه أو من حقوق العباد من الباطل وعومل* أهل كل منهما بما يليق به (بِالْقِسْطِ) بالعدل وتخصيص الظلم بالتعدى وحمل القضاء على مجرد الحكومة بين الظالمين والمظلومين من غير أن يتعرض لحال المشركين وهم أظلم الظالمين لا يساعده المقام فإن مقتضاه