(قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (٥٩)
____________________________________
(قُلْ) تلوين للخطاب وتوجيه له إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليأمر الناس بأن يغتنموا ما فى مجىء القرآن العظيم* من الفضل والرحمة (بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ) المراد بهما إما ما فى مجىء القرآن من الفضل والرحمة وإما الجنس وهما داخلان فيه دخولا أوليا والباء متعلقة بمحذوف وأصل الكلام ليفرحوا بفضل الله وبرحمته وتكرير الباء فى رحمته للإيذان باستقلالها فى استيجاب الفرح ثم قدم الجار والمجرور على الفعل لإفادة* القصر ثم أدخل عليه الفاء لإفادة معنى السببية فصار بفضل الله وبرحمته فليفرحوا ثم قيل (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) للتأكيد والتقرير ثم حذف الفعل الأول لدلالة الثانى عليه والفاء الأولى جزائية والثانية للدلالة على السببية والأصل إن فرحوا بشىء فبذلك ليفرحوا لا بشىء آخر ثم أدخل الفاء للدلالة على السببية ثم حذف الشرط ومعنى البعد فى اسم الإشارة للدلالة على بعد درجة فضل الله تعالى ورحمته ويجوز أن يراد بفضل الله وبرحمته فليعتنوا فبذلك فليفرحوا ويجوز أن يتعلق الباء بجاءتكم أى جاءتكم موعظة بفضل الله وبرحمته فبذلك أى فبمجيئها فليفرحوا وقرىء فلتفرحوا وقرأ أبى فافرحوا وعن ابن كعب أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلا قل بفضل الله وبرحمته فقال بكتاب الله والإسلام وقيل فضله الإسلام ورحمته* ما وعد عليه (هُوَ) أى ما ذكر من فضل الله ورحمته (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من حطام الدنيا وقرىء تجمعون أى فبذلك فليفرح المؤمنون هو خير مما تجمعون أيها المخاطبون (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أى أخبرونى (ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ) ما منصوبة المحل بما بعدها أو بما قبلها واللام للدلالة على أن المراد بالرزق ما حل لهم وجعله منزلا لأنه مقدر فى السماء محصل هو أو ما يتوقف عليه وجودا أو بقاء بأسباب سماوية من المطر* والكواكب فى الإنضاج والتلوين (فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ) أى جعلتم بعضه (حَراماً) أى حكمتم بأنه حرام* (وَحَلالاً) أى وجعلتم بعضه حلالا أى حكمتم بحله مع كون كله حلالا وذلك قولهم هذه أنعام وحرث حجر الآية وقولهم ما فى بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ونحو ذلك وتقديم* الحرام لظهور أثر الجعل فيه ودوران التوبيخ عليه (قُلْ) تكرير لتأكيد الأمر بالاستخبار أى* أخبرونى (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) فى ذلك الجعل فأنتم فيه ممتثلون بأمره تعالى (أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) أم متصلة والاستفهام للتقرير والتبكيت لتحقق العلم بالشق الأخير قطعا كأنه قيل أم لم يأذن لكم بل تفترون عليه سبحانه فأظهر الاسم الجليل وقدم على الفعل دلالة على كمال قبح افترائهم وتأكيدا للتبكيت إثر تأكيد مع مراعاة الفواصل ويجوز أن يكون الاستفهام للإنكار وأم منقطعة ومعنى بل فيها الإضراب والانتقال من التوبيخ والزجر بإنكار الإذن إلى ما تفيده همزتها من التوبيخ على الافتراء عليه سبحانه وتقريره وتقديم الجار والمجرور على هذا يجوز أن يكون للقصر كأنه قيل بل أعلى الله تعالى خاصة تفترون