(وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠) وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦١)
____________________________________
(وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) كلام مسوق من قبله تعالى لبيان هول ما سيلقونه غير داخل تحت القول المأمور به والتعبير عنهم بالموصول فى موقع الإضمار لقطع احتمال الشق الأول من الترديد والتسجيل عليهم بالافتراء وزيادة الكذب مع أن الافتراء لا يكون إلا كذبا لإظهار كمال قبح ما افتعلوا وكونه كذبا فى اعتقادهم أيضا وكلمة ما استفهامية وقعت مبتدأ وظن خبرها ومفعولاه محذوفان وقوله عزوجل (يَوْمَ الْقِيامَةِ) ظرف لنفس الظن أى أى شىء ظنهم فى ذلك اليوم يوم عرض الأفعال والأقوال* والمجازاة عليها مثقالا بمثقال والمراد تهويله وتفظيعه بهول ما يتعلق به مما يصنع بهم يومئذ وقيل هو ظرف لما يتعلق به ظنهم اليوم من الأمور التى ستقع يوم القيامة تنزيلا له ولما فيه من الأحوال لكمال وضوح أمره فى التقرر والتحقق منزلة المسلم عندهم أى أى شىء ظنهم لما سيقع يوم القيامة أيحسبون أنهم لا يسألون عن افترائهم أو لا يجازون عليه أو يجازون جزاء يسيرا ولأجل ذلك يفعلون ما يفعلون كلا إنهم لفى أشد العذاب لأن معصيتهم أشد المعاصى ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا وقرىء على لفظ الماضى أى أى ظن ظنوا يوم القيامة وإيراد صيغة الماضى لأنه كائن فكأنه قد كان (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ) أى عظيم لا يكتنه* كنهه (عَلَى النَّاسِ) أى جميعا حيث أنعم عليهم بالعقل المميز بين الحق والباطل والحسن والقبيح ورحمهم* بإنزال الكتب وإرسال الرسل وبين لهم الأسرار التى لا تستقل العقول فى إدراكها وأرشدهم إلى ما يهمهم من أمر المعاش والمعاد (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) تلك النعمة الجليلة فلا يصرفون قواهم* ومشاعرهم إلى ما خلقت له ولا يتبعون دليل العقل فيما يستبد به ولا دليل الشرع فيما لا يدرك إلا به وقد تفضل عليهم ببيان ما سيلقونه يوم القيامة فلا يلتفتون إليه فيقعون فيما يقعون فهو تذييل لما سبق مقرر لمضمونه (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ) أى فى أمر من شأنت شأنه أى قصدت قصده مصدر بمعنى المفعول (وَما تَتْلُوا مِنْهُ) الضمير للشأن والظرف صفة لمصدر محذوف أى تلاوة كائنة من الشأن إذ هى معظم شئونه عليهالسلام أو للتنزيل والإضمار قبل الذكر لتفخم شأنه ومن ابتدائية أو تبعيضية أو لله عزوجل ومن ابتدائية والتى فى قوله تعالى (مِنْ قُرْآنٍ) مزيدة لتأكيد النفى أو ابتدائية على الوجه الأول وبيانية أو تبعيضية* على الثانى والثالث (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ) تعميم للخطاب إثر تخصيصه بمقتدى الكل وقد روعى فى كل من* المقامين ما يليق به حيث ذكر أولا من الأعمال ما فيه فخامة وجلالة وثانيا ما يتناول الجليل والحقير (إِلَّا