(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢)
____________________________________
كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً) استثناء مفرغ من أعم أحوال المخاطبين بالأفعال الثلاثة أى ما تلابسون بشىء منها* فى حال من الأحوال إلا حال كوننا رقباء مطلعين عليه حافظين له (إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) أى تخوضون وتندفعون فيه وأصل الإفاضة الاندفاع بكثرة أو بقوة وحيث أريد بالأفعال السابقة الحالة المستمرة الدائمة المقارنة للزمان الماضى أيضا أوثر فى الاستثناء صيغة الماضى وفى الظرف كلمة إذ التى تفيد المضارع معنى الماضى* (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ) أى لا يبعد ولا يغيب على علمه الشامل وفى التعرض لعنوان الربوبية من الإشعار* باللطف ما لا يخفى وقرىء بكسر الزاى (مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) كلمة من مزيدة لتأكيد النفى أى ما يعزب عنه* ما يساوى فى الثقل نملة صغيرة أو هباء (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أى فى دائرة الوجود والإمكان فإن العامة لا تعرف سواهما ممكنا ليس فى أحدهما أو متعلقا بهما وتقديم الأرض لأن الكلام فى حال أهلها* والمقصود إقامة البرهان على إحاطة علمه تعالى بتفاصيلها وقوله تعالى (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) كلام برأسه مقرر لما قبله ولا نافية للجنس وأصغر اسمها وفى كتاب خبرها وقرىء بالرفع على الابتداء والخبر ومن عطف على لفظ مثقال ذرة وجعل الفتح بدل الكسر لامتناع الصرف أو على محله مع الجار جعل الاستثناء منقطعا كأنه قيل لا يعزب عن ربك شىء ما لكن جميع الأشياء فى كتاب مبين فكيف يعزب عنه شىء منها وقيل يجوز أن يكون الاستثناء متصلا ويعزب بمعنى يبين ويصدر والمعنى لا يصدر عنه تعالى شىء إلا وهو فى كتاب مبين والمراد بالكتاب المبين اللوح المحفوظ (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ) بيان على وجه التبشير والوعد لما هو نتيجة لأعمال المؤمنين وغاية لما ذكر قبله من كونه تعالى مهيمنا على نبيه صلىاللهعليهوسلم وأمته فى كل ما يأتون وما يذرون وإحاطة علمه سبحانه بجميع ما فى السماء والأرض وكون الكل مثبتا فى الكتاب المبين بعد ما أشير إلى فظاعة حال المفترين على الله تعالى يوم القيامة وما سيعتريهم من الهول إشارة إجمالية على طريق التهديد والوعيد وصدرت الجملة بحرفى التنبيه والتحقيق لزيادة تقرير مضمونها والولى لغة القريب والمراد بأولياء الله خلص المؤمنين لقربهم الروحانى منه سبحانه وتعالى كما* سيفصح عنه تفسيرهم (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فى الدارين من لحوق مكروه (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) من فوات مطلوب أى لا يعتريهم ما يوجب ذلك لا أنه يعتريهم لكنهم لا يخافون ولا يحزنون ولا أنه لا يعتريهم خوف وحزن أصلا بل يستمرون على النشاط والسرور كيف لا واستشعار الخوف والخشية استعظاما لجلال الله سبحانه وهيبته واستقصارا للجد والسعى فى إقامة حقوق العبودية من خصائص الخواص والمقربين والمراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامهما كما يوهمه كون الخبر فى الجملة الثانية مضارعا لما مر مرارا من أن النفى إن دخل على نفس المضارع يفيد الاستمرار والدوام بحسب المقام وإنما يعتريهم ذلك لأن مقصدهم ليس إلا طاعة الله تعالى ونيل رضوانه المستتبع للكرامة والزلفى وذلك مما لا ريب فى حصوله ولا احتمال لفواته بموجب الوعد بالنسبة إليه تعالى وأما ما عدا ذلك من الأمور الدنيوية المترددة بين الحصول والفوات فهى بمعزل من الانتظام فى سلك مقصدهم وجودا وعدما حتى يخافوا من حصول