(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) (٧٤)
____________________________________
* جرائم المجرمين (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) تهويل لما جرى عليهم وتحذير لمن كذب الرسول صلىاللهعليهوسلم وتسلية له صلىاللهعليهوسلم (ثُمَّ بَعَثْنا) أى أرسلنا (مِنْ بَعْدِهِ) أى من بعد نوح عليهالسلام (رُسُلاً) التنكير للتفخيم* ذاتا ووصفا أى رسلا كراما ذوى عدد كثير (إِلى قَوْمِهِمْ) أى إلى أقوامهم لكن لا بأن أرسلنا كل رسول منهم إلى أقوام الكل أو إلى قوم ما أى قوم كانوا بل كل رسول إلى قومه خاصة مثل هود إلى عاد* وصالح إلى ثمود وغير ذلك ممن قص منهم ومن لم يقص (فَجاؤُهُمْ) أى جاء كل رسول قومه المخصوصين به* (بِالْبَيِّناتِ) أى المعجزات الواضحة الدالة على صدق ما قالوا والباء إما متعلقة بالفعل المذكور على أنها للتعدية أو بمحذوف وقع حالا من ضمير جاءوا أى ملتبسين بالبينات لكن لا بأن يأتى كل رسول ببينة واحدة بل ببينات كثيرة خاصة به معينة له حسب اقتضاء الحكمة فإن مراعاة انقسام الآحاد إلى الآحاد* إنما هى فيما بين ضميرى جاءوهم كما أشير إليه (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) بيان لاستمرار عدم إيمانهم فى الزمان الماضى لا لعدم استمرار إيمانهم كما مر مثله فى هذه السورة الكريمة غير مرة أى فما صح وما استقام لقوم من أولئك الأقوام فى وقت من الأوقات أن يؤمنوا بل كان ذلك ممتنعا منهم لشدة شكيمتهم فى الكفر والعناد ثم إن كان المحكى آخر حال كل قوم حسبما يدل عليه حكاية قوم نوح فالمراد بعدم إيمانهم المذكور* ههنا إصرارهم على ذلك بعد اللتيا والتى وبما أشير إليه فى قوله عزوجل (بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) تكذيبهم من حين مجىء الرسل إلى زمان الإصرار والعناد وإنما لم يجعل ذلك مقصودا بالذات كالأول حيث جعل صلة للموصول إيذانا بأنه بين بنفسه غنى عن البيان وإنما المحتاج إلى ذلك عدم إيمانهم بعد تواتر البينات الظاهرة وتظاهر المعجزات الباهرة التى كانت تضطرهم إلى القبول لو كانوا من أصحاب العقول والموصول الذى تعلق به الإيمان والتكذيب سلبا وإيجابا عبارة عن جميع الشرائع التى جاء بها كل رسول أصولها وفروعها وإن كان المحكى جميع أحوال كل قوم منهم فالمراد بما ذكر أولا كفرهم المستمر من حين مجىء الرسل إلى آخره وبما أشير إليه آخرا تكذيبهم قبل مجيئهم فلا بد من كون الموصول المذكور عبارة عن أصول الشرائع التى أجمعت عليها الرسل قاطبة ودعوا أممهم إليها آثر ذى أثير لاستحالة تبدلها وتغيرها مثل ملة التوحيد ولوازمها ومعنى تكذبهم بها قبل مجىء رسلهم أنهم ما كانوا فى زمن الجاهلية بحيث لم يسمعوا بكلمة التوكيد قط بل كان كل قوم من أولئك الأقوام يتسامعون بها من بقايا من قبلهم كثمود من بقايا عاد وعاد من بقايا قوم نوح عليهالسلام فيكذبونها ثم كانت حالتهم بعد مجىء الرسل كحالتهم قبل ذلك كأن لم يبعث إليهم أحد وتخصيص التكذيب وعدم الإيمان بما ذكر من الأصول لظهور حال الباقى بدلالة النص فإنهم حيث لم يؤمنوا بما أجمعت عليه كافة الرسل فلأن لا يؤمنوا بما تفرد به بعضهم أولى وعدم جعل هذا التكذيب مقصودا بالذات لما أن ما عليه يدور أمر العذاب والعقاب