(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ) (٩)
____________________________________
أهون عليه يقولون ما يقولون فسبحان الله عما يصفون وقرأ حمزة والكسائى إلا ساحر على أن الإشارة إلى القائل أو إلى القرآن على أسلوب شعر شاعر وقرىء بالفتح على تضمين قلت معنى ذكرت أو على أن أنك بمعنى عنك فى علك أى ولئن قلت لعلكم مبعوثون على أن الرجاء والتوقع باعتبار حال المخاطبين أى توقعوا ذلك ولا تبتوا القول بإنكاره أو على أنه مجاراة معهم فى الكلام على نهج المساعدة لئلا يسارعوا إلى اللجاج والعناد ريثما قرع أسماعهم بت القول بخلاف ما ألفوا وألفوا عليه آباءهم من إنكار البعث ويكون ذلك أدعى لهم إلى التأمل والتدبر وما فعلوه قاتلهم الله أنى يؤفكون (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ) المترتب على بعثهم أو العذاب الموعود فى قوله تعالى (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) وقيل عذاب يوم بدر وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قتل جبريل عليهالسلام للمستهزئين والظاهر أن المراد به العذاب الشامل للكفرة دون ما يخص ببعض منهم على أنه لم يكن موعودا يستعجل منه المجرمون (إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) إلى طائفة من الأيام قليلة لأن ما يحصره العد قليل (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ) أى أى شىء* يمنعه من المجىء فكأنه يريده فيمنعه مانع وإنما كانوا يقولونه بطريق الاستعجال استهزاء لقوله تعالى (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ومرادهم إنكار المجىء والحبس رأسا لا الاعتراف به والاستفسار عن حابسه (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) ذلك (لَيْسَ مَصْرُوفاً) محبوسا (عَنْهُمُ) على معنى أنه لا يرفعه رافع أبدا إن أريد به عذاب* الآخرة أولا يدفعه عنكم دافع بل هو واقع بكم إن أريد به عذاب الدنيا ويوم منصوب بخبر ليس مقدما عليه واستدل به البصريون على جواز تقديمه على ليس إذ المعمول تابع للعامل فلا يقع إلا حيث يقع متبوعه ورد بأن الظرف يجوز فيه ما لا يجوز فى غيره توسعا وبأنه قد يقدم المعمول حيث لا مجال لتقدم العامل كما فى قوله تعالى (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) فإن اليتيم والسائل مع كونهما منصوبين بالفعلين المجزومين قد تقدما على لا الناهية مع امتناع تقدم الفعلين عليها. قال أبو حيان وقد تتبعت جملة من دواوين العرب فلم أظفر بتقديم خبر ليس عليها ولا بتقديم معموله إلا ما دل عليه ظاهر هذه الآية الكريمة وقول الشاعر[فيأبى فما يزداد إلا لجاجة * وكنت أبيا فى الخنا لست أقدم] (وَحاقَ بِهِمْ) أى أحاط بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أى العذاب الذى كانوا يستعجلون به استهزاء وفى التعبير* عنه بالموصول تهويل لمكانه وإشعار بعلية ما ورد فى حيز الصلة من استهزائهم به لنزوله وإحاطته والتعبير عنها بالماضى وارد على عادة الله تعالى فى أخباره لأنها فى تحققها وتيقنها بمنزلة الكائنة الموجودة وفى ذلك من الفخامة والدلالة على علو شأن المخبر وتقرير وقوع المخبر به ما لا يخفى (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) أى أعطيناه نعمة من صحة وأمن وجدة وغيرها وأوصلناها إليه بحيث يجد لذتها (ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) أى*