(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (١١)
____________________________________
سلبناه إياها وإيراد النزع للإشعار بشدة تعلقه بها وحرصه عليها (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) شديد القنوط من روح الله قطوع رجاءه من عود أمثالها عاجلا أو آجلا بفضل الله تعالى لقلة صبره وعدم توكله عليه وثقته به* (كَفُورٌ) عظيم الكفران لما سلف من النعم وفيه إشارة إلى أن النزع إنما كان بسبب كفرانهم بما كانوا يتقلبون فيه من نعم الله عزوجل وتأخيره عن وصف يأسهم مع تقدمه عليه لرعاية الفواصل على أن اليأس من فضل الله سبحانه وقطع الرجاء عن إضافة أمثاله فى العاجل ويصال أجره فى الآجل من باب الكفران للنعمة السالفة أيضا (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) كصحة بعد سقم وجدة بعد عدم وفرج بعد شدة وفى التعبير عن ملابسة الرحمة والنعماء بالذوق لمؤذن بلذتهما وكونهما مما يرغب فيه وعن ملابسة الضراء بالمس المشعر بكونها فى أدنى ما ينطلق عليه اسم الملاقاة من مراتبها وإسناد الأول إلى الله عزوجل دون الثانى ما لا يخفى من الجزالة والدلالة على أن مراده تعالى إنما هو إيصال الخير المرغوب فيه على أحسن ما يكون وأنه إنما يريد بعباده اليسر دون العسر وإنما ينالهم ذلك بسوء اختيارهم نيلا يسيرا كأنما يلاصق البشرة من غير تأثير وأما نزع الرحمة فإنما صدر عنه بقضية الحكمة* الداعية إلى ذلك وهى كفرانهم بها كما سبق وتنكير الرحمة باعتبار لحوق النزع بها (لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) أى المصائب التى تسوؤنى ولن يعترينى بعد أمثالها كما هو شأن أولئك الأشرار فإن الترقب لورود* أمثالها مما يكدر السرور وينغص العيش (إِنَّهُ لَفَرِحٌ) بطر وأشر بالنعم مغتر بها (فَخُورٌ) على الناس بما أوتى من النعم مشغول بذلك عن القيام بحقها واللام فى لئن فى الآيات الأربع موطئة للقسم وجوابه ساد مسد جواب الشرط (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) على ما أصابهم من الضراء سابقا أو لاحقا إيمانا بالله* واستسلاما لقضائه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) شكرا على آلائه السالفة والآنفة واللام فى الإنسان إما* لاستغراق الجنس فالاستثناء متصل أو للعهد فمنقطع (أُولئِكَ) إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما فى حيز الصلة وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجتهم وبعد منزلتهم فى الفضل أى أولئك الموصوفون* بتلك الصفات الحميدة (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) عظيمة لذنوبهم وإن جمت (وَأَجْرٌ) ثواب لأعمالهم الحسنة (كَبِيرٌ) ووجه تعلق الآيات الثلاث بما قبلهن من حيث إن إذاقة النعماء ومساس الضراء فصل من باب الابتلاء واقع موقع التفصيل من الإجمال الواقع فى قوله تعالى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) والمعنى أن كلا من إذاقة النعماء ونزعها مع كونه ابتلاء للإنسان أيشكر أم يكفر لا يهتدى إلى سنن الصواب بل يحيد فى كلتا الحالتين عنه إلى مهاوى الضلال فلا يظهر منه حسن عمل إلا من الصابرين الصالحين أو من حيث إن إنكارهم بالبعث واستهزاءهم بالعذاب بسبب بطرهم وفخرهم كأنه قيل إنما فعلوا ما فعلوا لأن طبيعة الإنسان مجبولة على ذلك.