(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥) وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (٣٧)
____________________________________
بطريق النصيحة لهم والشفقة عليهم وبأنه لم يأل جهدا فى إرشادهم إلى الحق وهدايتهم إلى سبيله المستبين وإمحاض النصح لهم ولكن لا ينفعهم ذلك عند إرادة الله تعالى لإغوائهم وتقييد عدم نفع النصح بإرادته مع أنه محقق لا محالة للإيذان بأن ذلك النصح منه مقارن للإرادة والاهتمام به ولتحقيق المقابلة بين ذلك وبين ما وقع بإزائه من إرادته تعالى لإغوائهم وإنما اقتصر فى ذلك على مجرد إرادة الإغواء دون نفسه حيث لم يقل إن كان الله يغويكم مبالغة فى بيان غلبة جنابه عز وعلا حيث دل ذلك على أن نصحه المقارن للاهتمام به لا يجديهم عند مجرد إرادة الله سبحانه لإغوائهم فكيف عند تحقيق ذلك وخلقه فيهم وزيادة كان للإشعار بتقدم إرادته تعالى زمانا كتقدمها رتبة وللدلالة على تجددها واستمرارها وإنما قدم على هذا الكلام ما يتعلق بقولهم فأتنا بما تعدنا من قوله تعالى (إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ) ردا عليهم من أول الأمر وتسجيلا عليهم بحلول العذاب مع ما فيه من اتصال الجواب بالسؤال وفيه دليل على أن إرادته تعالى يصح تعلقها بالإغواء وأن خلاف مراده غير واقع وقيل معنى أن يغويكم أن يهلككم من غوى الفصيل غوى إذا بشم وهلك (هُوَ رَبُّكُمْ) خالقكم ومالك أمركم (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فيجازيكم على أعمالكم لا محالة* (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما يعنى نوحا عليه الصلاة والسلام ومعناه بل أيقول قوم نوح إن نوحا افترى ما جاء به مسندا إلى الله عزوجل (قُلْ) يا نوح (إِنِ افْتَرَيْتُهُ) بالفرض* البحت (فَعَلَيَّ إِجْرامِي) إثمى ووبال إجرامى وهو كسب الذنب وقرىء بلفظ الجمع وينصره أن فسره* الأولون بآثامى (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) من إجرامكم فى إسناد الافتراء إلى فلا وجه لإعراضكم عنى* ومعاداتكم لى وقال مقاتل يعنى محمدا صلىاللهعليهوسلم ومعناه بل أيقول مشركو مكة افترى رسول الله صلىاللهعليهوسلم خبر نوح فكأنه إنما جىء به فى تضاعيف القصة عند سوق طرف منها تحقيقا لحقيتها وتأكيدا لوقوعها وتشويقا للسامعين إلى استماعها لا سيما وقد قص منها طائفة متعلقة بما جرى بينه صلىاللهعليهوسلم وبين قومه من المحاجة وبقيت طائفة مستقلة متعلقة بعذابهم (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ) أى المصرين على الكفر وهو إقناط له صلىاللهعليهوسلم من إيمانهم وإعلام لكونه كالمحال الذى لا يصح توقعه (إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) إلا من قد وجد* منه ما كان يتوقع من إيمانه وهذا الاستثناء على طريقة قوله تعالى (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ* (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) أى لا تحزن حزن بائس مستكين ولا تغتم بما كانوا يتعاطونه من التكذيب والاستهزاء والإيذاء فى هذه المدة الطويلة فقد انتهى أفعالهم وحان وقت الانتقام منهم (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ) ملتبسا (بِأَعْيُنِنا) أى بحفظنا وكلاءتنا كأن معه من الله عزوجل حفاظا وحراسا يكلئونه بأعينهم من التعدى* من الكفرة ومن الزيغ فى الصنعة (وَوَحْيِنا) إليك كيف تصنعها وتعليمنا وإلهامنا. عن ابن عباس رضى*