(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٤٢)
____________________________________
وعند مالك رحمهالله الأمر فيه مفوض إلى اجتهاد الإمام إن رأى قسمه بين هؤلاء وإن رأى أعطاه بعضا منهم دون بعض وإن رأى غيرهم أولى وأهم فغيرهم وتعلق أبو العالية بظاهر الآية الكريمة فقال يقسم ستة أسهم ويصرف سهم الله تعالى إلى رتاج الكعبة لما روى أنه صلىاللهعليهوسلم كان يأخذ منه قبضة فيجعلها لمصالح الكعبة ثم يقسم ما بقى على خمسة أسهم وقيل سهم الله لبيت المال وقيل هو مضموم إلى سهم الرسول صلىاللهعليهوسلم هذا شأن الخمس وأما الأخماس الأربعة فتقسم بين الغانمين للراجل سهم وللفارس سهمان عند أبى حنيفة رضى الله عنه وثلاثة أسهم عندهما رحمهماالله. قال القرطبى لما بين الله تعالى حكم الخمس وسكت عن الباقى دل ذلك على أنه ملك للغانمين وقوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) متعلق بمحذوف ينبىء عنه* المذكور أى إن كنتم آمنتم به تعالى فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرب به إلى الله تعالى فاقطعوا أطماعكم منه واقتنعوا بالأخماس الأربعة وليس المراد به مجرد العلم بذلك بل العلم المشفوع بالعمل والطاعة لأمره تعالى (وَما أَنْزَلْنا) عطف على الاسم الجليل أى إن كنتم آمنتم بالله وبما أنزلناه (عَلى عَبْدِنا) * وقرىء عبدنا وهو اسم جمع أريد به الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون فإن بعض ما نزل نازل عليهم بالذات كما ستعرفه (يَوْمَ الْفُرْقانِ) يوم بدر سمى به لفرقه بين الحق والباطل وهو منصوب بأنزلنا أو بآمنتم (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) أى الفريقان من المؤمنين والكافرين وهو بدل من (يَوْمَ الْفُرْقانِ) أو منصوب بالفرقان والمراد ما أنزل عليه صلىاللهعليهوسلم يومئذ من الوجى والملائكة والفتح على أن المراد بالإنزال مجرد الإيصال والتيسير فينتظم الكل انتظاما حقيقيا وجعل الإيمان بإنزال هذه الأشياء من موجبات العلم بكون الخمس لله تعالى على الوجه المذكور من حيث إن الوحى ناطق بذلك وإن الملائكة والفتح لما كانا من جهته تعالى وجب أن يكون ما حصل بسببهما من الغنيمة مصروفة إلى الجهات التى عينها الله تعالى (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يقدر على نصر القليل على الكثير والذليل على العزيز كما فعل بكم ذلك اليوم (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) بدل ثان من (يَوْمَ الْفُرْقانِ) والعدوة بالضم شط الوادى وكذا بالفتح والكسر وقد قرىء بهما أيضا (وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) أى البعدى من المدينة وهى تأنيث الأقصى وكان القياس قلب الواو ياء كالدنيا والعليا مع كونهما من بنات الواو لكنها جاءت على الأصل كالقود واستصوب وهو أكثر استعمالا من القصيا (وَالرَّكْبُ) أى العير أو قوادها (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أى فى مكان أسفل من مكانكم يعنى الساحل وهو نصب على* الظرفية واقع موقع الخبر والجملة حال من الظرف قبله وفائدتها الدلالة على قوة العدو واستظهارهم بالركب وحرصهم على المقاتلة عنها وتوطين نفوسهم على أن لا يخلوا مراكزهم ويبذلوا منتهى جهدهم وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم واستبعاد غلبتهم عادة وكذا ذكر مراكز الفريقين فإن العدوة الدنيا كانت