(وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) (٩١)
____________________________________
(مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ) من الغرق (أَوْ قَوْمَ هُودٍ) من الريح (أَوْ قَوْمَ صالِحٍ) من الصيحة والرجفة* وقرأ ابن كثير بضم الياء من أجرمته ذنبا إذا جعلته جارما له أى كاسبا وهو منقول من جرم المعتدى إلى مفعول واحد كما نقل أكسبه المال من كسب المال فكما لا فرق بين كسبته مالا وأكسبته إياه لا فرق بين جرمته ذنبا وأجرمته إياه فى المعنى إلا أن الأول أصح وأدور على ألسنة الفصحاء وقرأ أبو حيوة مثل ما أصاب بالفتح لإضافته إلى غير متمكن كقوله[لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت * حمامة فى غصبون ذات أو قال] وهذا وإن كان بحسب الظاهر نهيا للشقاق عن كسب إصابة العذاب لكنه فى الحقيقة نهى للكفرة عن مشاقته عليهالسلام على ألطف أسلوب وأبدعه كما مر فى سورة المائدة عند قوله تعالى (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) الآية (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) زمانا أو مكانا فإن لم تعتبروا بمن قبلهم من الأمم* المعدودة فاعتبروا بهم فكأنه إنما غير أسلوب التحذير بهم ولم يصرح بما أصابهم بل اكتفى بذكر قربهم إيذانا بأن ذلك مغن عن ذكره لشهرة كونه منظوما فى سمط ما ذكر من دواهى الأمم المرقومة أو ليسوا ببعيد منكم فى الكفر والمعاصى فلا يبعد أن يصيبكم مثل ما أصابهم وإفراد البعيد مع تذكيره لأن المراد وما إهلاكهم على نية المضاف أو وما هم بشىء بعيد لأن المقصود إفادة عدم بعدهم على الإطلاق لا من حيث خصوصية كونهم قوما أو ما هم فى زمان بعيد أو مكان بعيد ولا يبعد أن يكون ذلك لكونه على زنة المصادر كالنهيق والشهيق ولما أنذرهم عليهالسلام بسوء عاقبة صنيعهم عقبه طمعا فى ارعوائهم عما كانوا فيه يعمهون من طغيانهم بالحمل على الاستغفار والتوبة فقال (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) مر تفسير مثله فى أول السورة (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ) عظيم الرحمة للتائبين (وَدُودٌ) مبالغ فى فعل ما يفعل البليغ المودة بمن يوده من* اللطف والإحسان وهذا تعليل للأمر بالاستغفار والتوبة وحث عليهما (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) الفقه معرفة غرض المت كلم من كلامه أى ما نفهم مرادك وإنما قالوه بعد ما سمعوا منه دلائل الحق المبين على أحسن وجه وأبلغه وضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل فلم يجدوا إلى محاورته سبيلا سوى الصدود عن منهاج الحق والسلوك إلى سبيل الشقاء كما هو ديدن المفحم المحجوج يقابل البينات بالسب والإبراق والإرعاد فجعلوا كلامه المشتمل على فنون الحكم والمواعظ وأنواع العلوم والمعارف من قبيل مالا يفهم معناه ولا يدرك فحواه وأدمجوا فى ضمن ذلك أن فى تضاعيفه ما يستوجب أقصى ما يكون من المؤاخذة والعقاب ولعل ذلك ما فيه من التحذير من عواقب الأمم السالفة ولذلك قالوا (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا) فيما بيننا (ضَعِيفاً) لا قوة لك ولا قدرة على شىء من الضر والنفع والإيقاع والدفع (وَلَوْ لا رَهْطُكَ) * لولا مراعاة جانبهم لا لولاهم يمانعوننا ويدافعوننا (لَرَجَمْناكَ) فإن ممانعة الرهط وهو اسم للثلاثة إلى*