(يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ) (١٠٠)
____________________________________
مثل ما فى قولك وعظته فلم يتعظ وصحت به فلم ينزجر فإن الإتيان بالشىء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه وإن كان استمرارا عليه لكنه بحسب العنوان فعل جديد وصنع حادث فتأمل وترك الإضمار لدفع توهم الرجوع إلى موسى عليهالسلام من أول الأمر ولزيادة تقبيح حال المتبعين فإن فرعون علم فى الفساد والإفساد والضلال والإضلال فاتباعه لفرط الجهالة وعدم الاستبصار وكذا الحال فى قوله تعالى (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) الرشد ضد الغى وقد يراد به محمودية العاقبة فهو على الأول بمعنى المرشد أو ذى الرشد حقيقة لغوية والإسناد مجازى وعلى الثانى مجاز والإسناد حقيقى (يَقْدُمُ قَوْمَهُ) جميعا من الأشراف وغيرهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ) أى يتقدمهم من قدمه بمعنى تقدمه وهو استئناف لبيان حاله فى الآخرة أى كما كان* قدوة لهم فى الضلال كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه أو لتوضيح عدم صلاح مآل أمره وسوء عاقبته (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) أى يوردهم وإيثار صيغة الماضى للدلالة على تحقيق الوقوع لا محالة شبه فرعون بالفارط* الذى يتقدم الواردة إلى الماء وأتباعه بالواردة والنار بالماء الذى يردونه ثم قيل (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) * أى بئس الورد الذى يردونه النار لأن الورد إنما يراد لتسكين العطش وتبريد الأكباد والنار على ضد ذلك (أُتْبِعُوا) أى الملأ الذين اتبعوا أمر فرعون (فِي هذِهِ) أى فى الدنيا (لَعْنَةً) عظيمة حيث يلعنهم من بعدهم من الأمم إلى يوم القيامة (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) أيضا حيث يلعنهم أهل الموقف قاطبة فهى تابعة* لهم حينما ساروا دائرة معهم أينما داروا فى الموقف فكما اتبعوا فرعون اتبعتهم اللعنة فى الدارين جزاء وفاقا واكتفى ببيان حالهم الفظيع وشأنهم الشنيع عن بيان حال فرعون إذ حين كان حالهم هكذا فما ظنك بحال من أغواهم وألقاهم فى هذا الضلال البعيد وحيث كان شأن الأتباع أن يكونوا أعوانا للمتبوع جعلت اللعنة رفدا لهم على طريقة التهكم فقيل (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) أى بئس العون المعان وقد فسر الرفد بالعطاء* ولا يلائمه المقام وأصله ما يضاف إلى غيره ليعمده والمخصوص بالذم محذوف أى رفدهم وهى اللعنة فى الدارين وكونه مرفودا من حيث أن كل لعنة منها معينة وممدة لصاحبتها ومؤيدة لها (ذلِكَ) إشارة إلى ما قص من أنباء الأمم وبعده باعتبار تقضيه فى الذكر والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو مبتدأ خبره (مِنْ أَنْباءِ الْقُرى) المهلكة بما جنته أيدى أهلها (نَقُصُّهُ عَلَيْكَ) خبر بعد خبر أى ذلك النبأ* بعض أنباء القرى مقصوص عليك (مِنْها) أى من تلك القرى (قائِمٌ وَحَصِيدٌ) أى ومنها حصيد حذف* لدلالة الأول عليه شبه ما بقى منها بالزرع القائم على ساقه وما عفا وبطل بالحصيد والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب.