(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) (١١٤)
____________________________________
المستكن فى قوله (فَاسْتَقِمْ) وحسن من غير تأكيد لمكان الفاصل القائم مقامه وفى الحقيقة هو من عطف الجملة على الجملة إذ المعنى وليستقم من تاب معك وقيل هو منصوب على أنه مفعول معه كما قاله أبو البقاء والمعنى استقم مصاحبا لمن تاب معك (وَلا تَطْغَوْا) ولا تنحرفوا عما حد لكم بإفراط أو تفريط فإن كلا طرفى* قصد الأمور ذميم وإنما سمى ذلك طغيانا وهو تجاوز الحد تغليظا أو تغليبا لحال سائر المؤمنين على حاله عليهالسلام (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيجازيكم على ذلك وهو تعليل للأمر والنهى وفى الآية دلالة على* وجوب اتباع المنصوص عليه من غير انحراف بمجرد الرأى فإنه طغيان وضلال وأما العمل بمقتضى الاجتهاد التابع لعلل النصوص فذلك من باب الاستقامة كما أمر على موجب النصوص الآمرة بالاجتهاد (وَلا تَرْكَنُوا) أى لا تميلوا أدنى ميل (إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أى إلى الذين وجد منهم الظلم فى الجملة ومدار النهى هو الظلم والجمع باعتبار جمعية المخاطبين وما قيل من أن ذلك للمبالغة فى النهى من حيث إن كونهم جماعة مظنة الرخصة فى مداهنتهم إنما يتم أن لو كان المراد النهى عن الركون إليهم من حيث إنهم جماعة وليس كذلك (فَتَمَسَّكُمُ) بسبب ذلك (النَّارُ) وإذا كان حال الميل فى الجملة إلى من وجد منه ظلم ما فى الإفضاء* إلى مساس النار هكذا فما ظنك بمن يميل إلى الراسخين فى الظلم والعدوان ميلا عظيما ويتهالك على مصاحبتهم ومنادمتهم ويلقى شراشره على مؤانستهم ومعاشرتهم ويبتهج بالتزيى بزيهم ويمد عينيه إلى زهرتهم الفانية ويغبطهم بما أوتوا من القطوف الدانية وهو فى الحقيقة من الحبة طفيف ومن جناح البعوض خفيف بمعزل عن أن تميل إليه القلوب ضعف الطالب والمطلوب والآية أبلغ ما يتصور فى النهى عن الظلم والتهديد عليه وخطاب الرسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن معه من المؤمنين للتثبيت على الاستقامة التى هى العدل فإن الميل إلى أحد طرفى الإفراط والتفريط ظلم على نفسه أو على غيره وقرىء تركنوا على لغة تميم وتركنوا على صيغة البناء للمفعول من أركنه (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) أى من أنصار ينقذونكم من النار والجملة نصب* على الحالية من قوله (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) ونفى الأولياء ليس بطريق نفى أن يكون لكل واحد منهم أولياء حتى يصدق أن يكون له ولى بل لمكان لكم بطريق انقسام الآحاد على الآحاد لكن لا على معنى نفى استقلال كل منهم بنصير بل على معنى نفى أن يكون لواحد منهم نصير بقرينة المقام (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) من جهة الله* سبحانه إذ قد سبق فى حكمه أن يعذبكم بركونكم إليهم ولا يبقى عليكم وثم لتراخى رتبة كونهم غير منصورين من جهة الله بعد ما أوعدهم بالعذاب وأوجبه عليهم ويجوز أن يكون منزلا منزلة الفاء بمعنى الاستبعاد فإنه لما بين أن الله تعالى معذبهم وأن غيره لا ينقذهم أنتج أنهم لا ينصرون أصلا (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) أى غدوة وعشية وانتصابه على الظرفية لكونه مضافا إلى الوقت (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) أى ساعات منه* قريبة من النهار فإنه من أزلفه إذا قربه جمع زلفة عطف على طرفى النهار والمراد بصلاتهما صلاة