(وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١١٢)
____________________________________
مِنْ رَبِّكَ) وهى كلمة القضاء بإنظارهم إلى يوم القيامة على حسب الحكمة الداعية إلى ذلك (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أى لأوقع القضاء بين المختلفين من قومك بإنزال العذاب الذى يستحقه المبطلون ليتميزوا به عن المحقين* وقيل بين قوم موسى وليس بذاك (وَإِنَّهُمْ) أى وإن كفار قومك أريد به بعض من رجع إليهم ضمير بينهم للأمن من الإلباس (لَفِي شَكٍّ) عظيم (مِنْهُ) أى من القرآن وإن لم يجر له ذكر فإن ذكر إيتاء كتاب موسى* ووقوع الاختلاف فيه لا سيما بصدد التسلية ينادى به نداء غير خفى (مُرِيبٍ) موقع فى الريبة (وَإِنَّ كُلًّا) التنوين عوض عن المضاف إليه أى وإن كل المختلفين فيه المؤمنين منهم والكافرين وقرأ ابن كثير ونافع* وأبو بكر بالتخفيف مع الإعمال اعتبارا للأصل (لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) أى أجزية أعمالهم واللام الأولى موطئة للقسم والثانية جواب للقسم المحذوف ولما مركبة من من الجارة وما الموصولة أو الموصوفة وأصلها لمن فقلبت النون ميما للإدغام فاجتمع ثلاث ميمات فحذفت أولاهن والمعنى لمن الذى أو لمن خلق أو لمن فريق والله ليوفينهم ربك وقرىء لما بالتخفيف على أن ما مزيدة للفصل بين اللامين والمعنى وإن جميعهم والله ليوفينهم الآية وقرىء لما بالتنوين أى جميعا كقوله سبحانه (أَكْلاً لَمًّا) وقرأ أبى* وإن كل لما ليوفينهم على أن إن نافية ولما بمعنى إلا وقد قرىء به (إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ) أى بما يعمله كل فرد* من المختلفين من الخير والشر (خَبِيرٌ) بحيث لا يخفى عليه شىء من جلائله ودقائقه وهو تعليل لما سبق من توفية أجزية أعمالهم فإن الإحاطة بتفاصيل أعمال الفريقين وما يستوجبه كل عمل بمقتضى الحكمة من الجزاء المخصوص توجب توفية كل ذى حق حقه إن خيرا فخير وإن شرا فشر (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) لما بين فى تضاعيف القصص المحكية عن الأمم الماضية سوء عاقبة الكفر وعصيان الرسل وأشير إلى أن حال هؤلاء الكفرة فى الكفر والضلال واستحقاق العذاب مثل أولئك المعذبين وأن نصيبهم من العذاب واصل إليهم من غير نقص وأن تكذيبهم للقرآن مثل تكذيب قوم موسى عليهالسلام للتوراة وأنه لو لم تسبق كلمة القضاء بتأخير عقوبتهم العامة ومؤاخذتهم التامة إلى يوم القيامة لفعل بهم ما فعل بآبائهم من قبل وأنهم يوفون نصيبهم غير منقوص وأن كل واحد من المؤمنين والكافرين يوفى جزاء عمله أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالاستقامة كما أمر به فى العقائد والأعمال المشتركة بينه وبين سائر المؤمنين ولا سيما الأعمال الخاصة به عليهالسلام من تبليغ الأحكام الشرعية والقيام بوظائف النبوة وتحمل أعباء الرسالة بحيث يدخل تحته ما أمر به فيما سبق من قوله تعالى (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) الآية وبالجملة فهذا الأمر منتظم لجميع محاسن الأحكام الأصلية والفرعية والكمالات النظرية والعملية* والخروج من عهدته فى غاية ما يكون من الصعوبة ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم شيبتنى سورة هود (وَمَنْ تابَ مَعَكَ) أى تاب من الشرك والكفر وشاركك فى الإيمان وهو المعنى بالمعية وهو معطوف على