(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (١١٠)
____________________________________
مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) وإن حمل على ما أعد الله لعباده الصالحين من النعيم الروحانى الذى عبر عنه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فهو نصب على الحالية من المفعول المقدر للمشيئة أو تمييز فإن نسبة مشيئة الخروج إلى الله تعالى يحتمل أن تكون على جهة عطاء مجذوذ وعلى جهة عطاء غير مجذوذ فهو رافع للإبهام عن النسبة قال ابن زيد أخبرنا الله تعالى بالذى يشاء لأهل الجنة فقال عطاء غير مجذوذ ولم يخبرنا بالذى يشاء لأهل النار ويجوز أن يتعلق بكلا النعيمين أو بالأول دفعا لما يتوهم من ظاهر الاستثناء من انقطاعه (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) أى فى شك والفاء لترتيب النهى على ما قص من القصص وبين فى تضاعيفها من العواقب الدنيوية والأخروية (مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) أى من جهة عبادة هؤلاء المشركين وسوء عاقبتها* أو من حال ما يعبدونه من الأوثان فى عدم نفعه لهم ولما كان مساق النظم الكريم قبيل الشروع فى القصص لبيان غاية سوء حال الكفرة وكمال حسن حال المؤمنين وقد ضرب لهم مثل فقيل مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون وقد قص عقيب ذلك من أنباء الأمم السالفة مع رسلهم المبعوثة إليهم ما يتذكر به المتذكر نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن كونه فى شك من مصير أمر هؤلاء المشركين فى العاجل والآجل ثم علل ذلك بطريق الاستئناف فقيل (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ) الذين قصت عليك قصصهم (مِنْ قَبْلُ) أى هم وآباؤهم سواء فى الشرك ما يعبدون عبادة إلا* كعبادتهم أو ما يعبدون شيئا إلا مثل ما عبدوه من الأوثان والعدول إلى صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها أو مثل ما كانوا يعبدونه فحذف كان لدلالة قوله (مِنْ قَبْلُ) عليه ولقد بلغك ما لحق بآبائهم فسيلحقهم مثل ذلك فإن تماثل الأسباب يقتضى تماثل المسببات (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ) أى* هؤلاء الكفرة (نَصِيبَهُمْ) أى حظهم المعين لهم حسب جرائمهم وجرائرهم من العذاب عاجلا وآجلا* كما وفينا آباءهم أنصباءهم المقدرة لهم أو من الرزق المقسوم لهم فيكون بيانا لوجه تأخر العذاب عنهم مع تحقق ما يوجبه (غَيْرَ مَنْقُوصٍ) حال مؤكدة من النصيب كقوله تعالى (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) * وفائدته دفع توهم التجوز وجعلها مقيدة له لدفع احتمال كونه منقوصا فى حد نفسه مبنى على الذهول عن كون العامل هو التوفية فتأمل (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أى التوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) أى فى شأنه وكونه من عند الله تعالى فآمن به قوم وكفر به آخرون فلا تبال باختلاف قومك فيما آتيناك من القرآن وقولهم لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك وزعمهم إنك افتريته (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ