(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (١٠٠)
____________________________________
الحسن وابن إسحق كانت أمه فى الحياة فلا حاجة إلى التأويل ومعنى آوى إليه ضمهما إليه واعتناقهما وكأنه عليه الصلاة والسلام ضرب فى الملتقى مضربا فنزل فيه فدخلوا عليه فآواهما إليه (وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) من الشدائد والمكاره قاطبة والمشيئة متعلقة بالدخول على الأمن (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ) عند نزولهم بمصر (عَلَى الْعَرْشِ) على السرير تكرمة لهما فوق ما فعله لإخوته (وَخَرُّوا لَهُ) أى أبواه وإخوته (سُجَّداً) * تحية له فإنه كان السجود عندهم جاريا مجرى التحية والتكرمة كالقيام والمصافحة وتقبيل اليد ونحوها من عادات الناس الفاشية فى التعظيم والتوقير وقيل ما كان ذلك إلا انحناء دون تعفير الجباه ويأباه الخرور وقيل خروا لأجله سجدا لله شكرا ويرده قوله تعالى (وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ) التى رأيتها وقصصتها* عليك (مِنْ قَبْلُ) فى زمن الصبا (قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) صدقا واقعا بعينه والاعتذار بجعل يوسف بمنزلة القبلة* وجعل اللام كما فى قوله [أليس أول من صلى لقبلتكم] تعسف لا يخفى وتأخيره عن الرفع على العرش ليس بنص فى ذلك لأن الترتيب الذكرى لا يجب كونه على وفق الترتيب الوقوعى فلعل تأخيره عنه ليصل به ذكر كونه تعبيرا لرؤياه وما يتصل به من قوله (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) المشهور استعمال الإحسان بإلى وقد* يستعمل بالباء أيضا كما فى قوله عز اسمه (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وقيل هذا بتضمين لطف وهو الإحسان الخفى كما يؤذن به قوله تعالى (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) وفيه فائدة لا تخفى أى لطف بى محسنا إلى غير هذا الإحسان (إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) بعد ما ابتليت به ولم يصرح بقصة الجب حذارا من تئريب إخوته لأن الظاهر* حضورهم لوقوع الكلام عقيب خرورهم سجدا واكتفاء بما يتضمنه قوله تعالى (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) * أى البادية (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) أى أفسد بيننا بالإغواء وأصله من نخس الرائض* الدابة وحملها على الجرى يقال نزغه ونسغه إذا نخسه ولقد بالغ عليه الصلاة والسلام فى الإحسان حيث أسند ذلك إلى الشيطان (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) أى لطيف التدبير لأجله رفيق حتى يجىء على وجه الحكمة* والصواب ما من صعب إلا وهو بالنسبة إلى تدبيره سهل (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بوجوه المصالح (الْحَكِيمُ) الذى* يفعل كل شىء على قضية الحكمة روى أن يوسف أخذ بيد يعقوب عليهما الصلاة والسلام فطاف به فى خزائنه فأدخله فى خزائن الورق والذهب وخزائن الحلى وخزائن الثياب وخزائن السلاح وغير ذلك فلما أدخله خزائن القراطيس قال يا بنى ما أعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت إلى على ثمانى مراحل قال أمرنى جبريل قال أو ما تسأله قال أنت أبسط إليه منى فسأله قال جبريل الله تعالى أمرنى بذلك لقولك أخاف أن يأكله الذئب قال فهلا خفتنى وروى أن يعقوب عليه الصلاة والسلام أقام معه أربعا وعشرين سنة ثم مات وأوصى أن يدفنه بالشام إلى جنب أبيه إسحق فمضى بنفسه ودفنه ثمة ثم عاد إلى مصر وعاش بعد