(وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) (٥٩)
____________________________________
بهم (فِي الْحَرْبِ) أى فى تضاعيفها (فَشَرِّدْ بِهِمْ) أى ففرق عن مناصبتك تفريقا عنيفا موجبا للاضطرار* والاضطراب ونكل عنها بأن تفعل بهم من النكاية والتعذيب ما يوجب أن تنكل (مَنْ خَلْفَهُمْ) أى* من وراءهم من الكفرة وفيه إيماء إلى أنهم بصدد الحرب قريب من هؤلاء وقرىء شرذ بالذال المعجمة ولعله مقلوب شذر بمعنى فرق وقرىء من خلفهم أى افعل التشريد من ورائهم والمعنى واحد لأن إيقاع التشريد فى الوراء لا يتحقق إلا بتشريد من وراءهم (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) يتعظون بما شاهدوا مما* نزل بالناقضين فير تدعوا عن النقض أو عن الكفر وقوله تعالى (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) بيان ٥٨ لأحكام المشرفين إلى نقض العهد إثر بيان أحكام الناقضين له بالفعل والخوف مستعار للعلم أى وإما تعلمن من قوم من المعاهدين نقض عهد فيما سيأتى بما لاح لك منهم من دلائل الغدر ومخايل الشر (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) أى فاطرح إليهم عهدهم (عَلى سَواءٍ) على طريق مستو قصد بأن تظهر لهم النقض وتخبرهم إخبارا* مكشوفا بأنك قد قطعت ما بينك وبينهم من الوصلة ولا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد كيلا يكون من قبلك شائبة خيانة أصلا فالجار متعلق بمحذوف هو حال من النابذ أى فانبذ إليهم ثابتا على سواء وقيل على استواء فى العلم بنقض العهد بحيث يستوى فيه أقصاهم وأدناهم أو تستوى فيه أنت وهم فهو على الأول حال من المنبوذ إليهم وعلى الثانى من الجانبين (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) تعليل للأمر بالنبذ إما باعتبار* استلزامه للنهى عن المناجزة التى هى خيانة فيكون تحذيرا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم منها وإما باعتبار استتباعه للقتال بالآخرة فيكون حثا له صلىاللهعليهوسلم على النبذ أولا وعلى قتالهم ثانيا كأنه قيل وإما تعلمن من قوم خيانة فانبذ إليهم ثم قاتلهم إن الله لا يحب الخائنين وهم من جملتهم لما علمت من حالهم (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أى أنفسهم فحذف للتكرار وقوله تعالى (سَبَقُوا) أى فاتوا وأفلتوا من أن يظفر بهم مفعول ثان ليحسبن* والمراد إقناطهم من الخلاص وقطع أطماعهم الفارغة من الانتفاع بالنبذ والاقتصار على دفع هذا التوهم مع أن مقاومة المؤمنين بل الغلبة عليهم أيضا مما تتعلق به أمانيهم الباطلة للتنبيه على أن ذلك مما لا يحوم حوله وهمهم وحسبانهم وإنما الذى يمكن أن يدور فى خلدهم حسبان المناص فقط وقيل الفعل مسند إلى أحد أو إلى من خلفهم والمفعول الأول الموصول المتناول لهم أيضا وقيل هو الفاعل وأن محذوفة من سبقوا وهى مع ما فى حيزها سادة مسد المفعولين والتقدير ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا ويعضده قراءة من قرأ أنهم سبقوا ونظيره فى الحذف قوله تعالى (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً) وقوله تعالى (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) الآية قاله الزجاج وقرىء بالتاء على خطاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهى قراءة واضحة وقرىء ولا تحسب الذين بكسر الباء وبفتحها على حذف النون الخفيفة وقوله تعالى (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) أى لا يفوتون* ولا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم تعليل للنهى على طريقة الاستئناف وقرىء بفتح الهمزة على