(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) (١٧)
____________________________________
* الصلة أو حال من فاعله أى جاهدوا حال كونهم غير متخذين (مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) أى بطانة وصاحب سر وهو الذى تطلعه على ما فى ضميرك من الأسرار الخفية من الولوج وهو* الدخول ومن دون الله متعلق بالاتخاذ إن أبقى على حاله أو مفعول ثان له إن جعل بمعنى التصيير (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أى بجميع أعمالكم وقرىء على الغيبة وهو تذييل يزيح ما يتوهم من ظاهر قوله تعالى (وَلَمَّا يَعْلَمِ) الخ أو حال متداخلة من فاعله أو من مفعوله والمعنى ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم والحال أنه يعلم جميع أعمالكم لا يخفى عليه شىء منها (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ) أى ما صح وما استقام لهم على معنى نفى الوجود والتحقق لا نفى الجواز كما فى قوله تعالى (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) أى ما وقع وما تحقق لهم* (أَنْ يَعْمُرُوا) عمارة معتدا بها (مَساجِدَ اللهِ) أى المسجد الحرام وإنما جمع لأنه قبلة المساجد وإمامها فعامره كعامرها أو لأن كل ناحية من نواحيه المختلفة الجهات مسجد على حياله بخلاف سائر المساجد إذ ليس فى نواحيها اختلاف الجهة ويؤيده القراءة بالتوحيد وقيل ما كان لهم أن يعمروا شيئا من المساجد فضلا عن المسجد الحرام الذى هو صدر الجنس ويأباه أنهم لا يتصدون لتعمير سائر المساجد ولا يفتخرون* بذلك على أنه مبنى على كون النفى بمعنى نفى الجواز واللياقة دون نفى الوجود (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) أى بإظهار آثار الشرك من نصب الأوثان حول البيت والعبادة لها فإن ذلك شهادة صريحة على أنفسهم بالكفر وإن أبوا أن يقولوا نحن كفار كما نقل عن الحسن رضى الله عنه وهو حال من الضمير فى يعمروا أى محال أن يكون ما سموه عمارة عمارة بيت الله مع ملابستهم لما ينافيها ويحبطها من عبادة غيره تعالى فإنها ليست من العمارة فى شىء وأما ما قيل من أن المعنى ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة بيت الله تعالى وعبادة غيره تعالى فليس بمعرب عن كنه المرام فإن عدم استقامة الجمع بين المتنافيين إنما يستدعى انتفاء أحدهما لا بعينه لا انتفاء العمارة الذى هو المقصود. روى أن المهاجرين والأنصار أقبلوا على أسارى بدر يعيرونهم بالشرك وطفق على رضى الله تعالى عنه يونح العباس بقتال النبى صلىاللهعليهوسلم وقطيعة الرحم وأغلظ له فى القول فقال العباس تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا فقال ولكم محاسن قالوا* نعم إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقى الحجيج ونفك العانى فنزلت (أُولئِكَ) الذين يدعون* عمارة المسجد وما يضاهيها من أعمال البرمع ما بهم من الكفر (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) التى يفتخرون بها بما* قارنها من الكفر فصارت هباء منثورا (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) لكفرهم ومعاصيهم وإيراد الجملة الاسمية للمبالغة فى الدلالة على الخلود والظرف متعلق بالخبر قدم عليه للاهتمام به ومراعاة الفاصلة وكلتا الجملتين مستأنفة لتقرير النفى السابق. الأولى من جهة نفى استتباع الثواب والثانية من جهة نفى استدفاع العذاب