(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣٩)
____________________________________
للفاعل وهو الله سبحانه والمعنى جعل أعمالهم مشتهاة للطبع محبوبة للنفس وقيل خذلهم حتى حسبوا قبيح أعمالهم حسنا فاستمروا على ذلك (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) هداية موصلة إلى المطلوب البتة وإنما* يهديهم إلى ما يوصل إليه عند سلوكه وهم قد صدوا عنه بسوء اختيارهم فتاهوا فى تيه الضلال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) رجوع إلى حث المؤمنين وتجريد عزائمهم على قتال الكفرة إثر بيان طرف من قبائحهم الموجبة لذلك (ما لَكُمْ) استفهام فيه معنى الإنكار والتوبيخ (إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ) * تباطأتم وتقاعستم أصله تثاقلتم وقد قرىء كذلك أى أى شىء حصل أو حاصل لكم أو ما تصنعون حين قال لكم النبى صلىاللهعليهوسلم انفروا أى اخرجوا إلى الغزو فى سبيل الله متثاقلين على أن الفعل ماض لفظا مضارع معنى كأنه قيل تتثاقلون فالعامل فى الظرف الاستقرار المقدر فى لكم أو معنى الفعل المدلول عليه بذلك ويجوز أن يعمل فيه الحال أى مالكم متثاقلين حين قيل لكم انفروا وقرىء أثاقلتم على الاستفهام الإنكارى التوبيخى فالعامل فى الظرف حينئذ إنما هو الأول (إِلَى الْأَرْضِ) متعلق باثاقلتم على تضمينه* معنى الميل والإخلاد أى اثاقلتم ماثلين إلى الدنيا وشهواتها الفانية عما قليل وكرهتم مشاق الغزو ومتاعبه المستتبعة للراحلة الخالدة كقوله تعالى (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ) أو إلى الإقامة بأرضكم ودياركم وكان ذلك فى غزوة تبوك فى سنة عشر بعد رجوعهم من الطائف استنفروا فى وقت عسرة وقحط وقيظ وقد أدركت ثمار المدينة وطابت ظلالها مع بعد الشقة وكثرة العدو فشق عليهم ذلك وقيل ما خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى غزوة غزاها إلا ورى بغيرها إلا فى غزوة تبوك فإنه صلىاللهعليهوسلم بين لهم المقصد فيها ليستعدوا لها (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا) وغرورها (مِنَ الْآخِرَةِ) أى بدل الآخرة ونعيمها الدائم (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) * أظهر فى مقام الإضمار لزيادة التقرير أى فما التمتع بها وبلذائذها (فِي الْآخِرَةِ) أى فى جنب الآخرة (إِلَّا قَلِيلٌ) أى مستحقر لا يؤبه له وفى ترشيح الحياة الدنيا بما يؤذن بنفاستها ويستدعى الرغبة فيها وتجريد الآخرة عن مثل ذلك مبالغة فى بيان حقارة الدنيا ودناءتها وعظم شأن الآخرة وعلوها (إِلَّا تَنْفِرُوا) أى إن لا تنفروا إلى ما استنفرتم إليه (يُعَذِّبْكُمْ) أى الله عزوجل (عَذاباً أَلِيماً) أى يهلككم بسبب* فظيع هائل كقحط ونحوه (وَيَسْتَبْدِلْ) بكم بعد إهلاككم (قَوْماً غَيْرَكُمْ) وصفهم بالمغايرة لهم لتأكيد* الوعيد والتشديد فى التهديد بالدلالة على المغايرة الوصفية والذاتية المستلزمة للاستئصال أى قوما مطيعين مؤثرين للآخرة على الدنيا ليسوا من أولادكم ولا أرحامكم كأهل اليمن وأبناء فارس وفيه من الدلالة على