(إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٤٠)
____________________________________
* شدة السخط ما لا يخفى (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) أى لا يقدح تثاقلكم فى نصرة دينه أصلا فإنه الغنى عن كل شىء فى كل شىء وقيل الضمير للرسول صلىاللهعليهوسلم فإن الله عزوجل وعده بالعصمة والنصرة وكان وعده مفعولا لا محالة (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على إهلاككم والإتيان بقوم آخرين (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) أى إن لم تنصروه فسينصره الله الذى قد نصره فى وقت ضرورة أشد من هذه المرة فحذف الجزاء وأقيم* سببه مقامه أو إن لم تنصروه فقد أوجب له النصرة حتى نصره فى مثل ذلك الوقت فلن يخذله فى غيره (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أى تسببوا لخروجه حيث أذن له صلىاللهعليهوسلم فى ذلك حين هموا بإخراجه (ثانِيَ اثْنَيْنِ) حال من ضميره صلىاللهعليهوسلم وقرىء بسكون الياء على لغة من يجرى الناقص مجرى المقصور فى الإعراب أى أحد اثنين من غير اعتبار كونه صلىاللهعليهوسلم ثانيا فإن معنى قولهم ثالث ثلاثة ورابع أربعة ونحو ذلك أحد هذه الأعداد مطلقا لا الثالث والرابع خاصة ولذلك منع الجمهور أن ينصب ما بعده بأن يقال ثالث ثلاثة ورابع أربعة وقد مر فى قوله تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) من سورة المائدة وجعله صلىاللهعليهوسلم ثانيهما لمشى* الصديق أمامه ودخوله فى الغار أو لا لكنسه وتسوية البساط كما ذكر فى الأخبار تمحل مستغنى عنه (إِذْ هُما فِي الْغارِ) بدل من إذ أخرجه بدل البعض إذ المراد به زمان متسع والغار ثقب فى أعلى ثور وهو جبل* فى يمنى مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثا (إِذْ يَقُولُ) بدل ثان أو ظرف لثانى (لِصاحِبِهِ) أى الصديق* (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) بالعون والعصمة والمراد بالمعية الولاية الدائمة التى لا تحوم حول صاحبها شائبة شىء من الحزن وما هو المشهور من اختصاص مع بالمتبوع فالمراد بما فيه من المتبوعية هو المتبوعية فى الأمر المباشر روى أن المشركين طلعوا فوق الغار فاشفق أبو بكر رضى الله عنه على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال إن نصب اليوم ذهب دين الله فقال صلىاللهعليهوسلم ما ظنك باثنين الله ثالثهما وقيل لما دخلا الغار بعث الله تعالى حمامتين فباضتا فى أسفله والعنكبوت فنسجت عليه وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم اللهم اعم أبصارهم فجعلوا يترددون حول الغار ولا يفطنون قد أخذ الله تعالى أبصارهم عنه وفيه من الدلالة على علو طبقة الصديق رضى الله عنه وسابقة صحبته ما لا يخفى ولذلك قالوا من أنكر صحبة أبى بكر رضى الله عنه فقد كفر لإنكاره* كلام الله سبحانه وتعالى (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) أمنته التى تسكن عندها القلوب (عَلَيْهِ) على النبى صلىاللهعليهوسلم فالمراد بها ما لا يحوم حوله شائبة الخوف أصلا أو على صاحبه إذ هو المنزعج وأما النبى صلىاللهعليهوسلم فكان على طمأنينة من* أمره (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) عطف على نصره الله والجنودهم الملائكة النازلون يوم بدر والأحزاب وحنين وقيل هم الملائكة أنزلهم الله ليحرسوه فى الغار ويأباه وصفهم بعدم رؤية المخاطبين لهم وقوله عز* وعلا (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) يعنى الشرك أو دعوة الكفر فإن ذلك الجعل لا يتحقق بمجرد