(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) (٤٣)
____________________________________
* بالله اعتذارا عند قفولك قائلين (لَوِ اسْتَطَعْنا) أو سيحلفون قائلين بالله لو استطعنا الخ أى لو كان لنا استطاعة من جهة العدة أو من جهة الصحة أو من جهتهما جميعا حسبما عن لهم من الكذب والتعلل وعلى كلا* التقديرين فقوله تعالى (لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) ساد مسد جوابى القسم والشرط جميعا أما على الثانى فظاهر وأما على الأول فلأن قولهم لو استطعنا فى قوة بالله لو استطعنا لأنه بيان لقوله تعالى (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) وتصديق له والإخبار بما سيكون منهم بعد القفول وقد وقع حسبما أخبر به من جملة المعجزات الباهرة وقرىء* لو استطعنا بضم الواو تشبيها لها بواو الجمع كما فى قوله عزوجل (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ* (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) بدل من سيحلفون لأن الحلف الكاذب إهلاك للنفس ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع أو حال من فاعله أى مهلكين أنفسهم أو من فاعل خرجنا جىء به على طريقة الإخبار عنهم كأنه قيل نهلك أنفسنا* أى لخرجنا معكم مهلكين أنفسنا كما فى قولك حلف ليفعلن مكان لأفعلن (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) أى فى مضمون الشرطية وفيما ادعوا ضمنا من انتفاء تحقق المقدم حيث كانوا مستطيعين للخروج ولم يخرجوا (عَفَا اللهُ عَنْكَ) صريح فى أنه سبحانه وتعالى قد عفا عنه صلىاللهعليهوسلم ما وقع منه عند استئذان المتخلفين فى التخلف معتذرين بعدم الاستطاعة وإذنه اعتمادا على إيمانهم ومواثيقهم لخلوها عن المزاحم من ترك الأولى* والأفضل الذى هو التأنى والتوقف إلى انجلاء الأمر وانكشاف الحال وقوله عزوجل (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) أى لأى سبب أذنت لهم فى التخلف حين اعتلوا بعللهم بيان لما أشير إليه بالعفو من ترك الأولى وإشارة إلى أنه ينبغى أن تكون أموره صلىاللهعليهوسلم منوطة بأسباب قوية موجبة لها أو مصححة وأن ما أبرزوه فى معرض التعلل والاعتذار مشفوعا بالأيمان كان بمعزل من كونه سببا للإذن قبل ظهور صدقه وكلتا اللامين متعلقة بالإذن لاختلافهما فى المعنى فإن الأولى للتعليل والثانية للتبليغ والضمير المجرور لجميع المستأذنين وتوجه الإنكار إلى الإذن باعتبار شموله للكل لا باعتبار تعلقه بكل فرد لتحقق عدم استطاعة بعضهم* كما ينبىء عنه قوله سبحانه (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) أى فيما أخبروا به عند الاعتذار من عدم* الاستطاعة من جهة المال أو من جهة البدن أو من جهتهما معا حسبما عن لهم هناك (وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) فى ذلك فتعامل كلا من الفريقين بما يستحقه وهو بيان لذلك الأولى الأفضل وتخصيص له صلىاللهعليهوسلم عليه فإن كلمة حتى سواء كانت بمعنى اللام أو بمعنى إلى لا يمكن تعلقها بقوله تعالى (لِمَ أَذِنْتَ) لاستلزامه أن يكون إذنه صلىاللهعليهوسلم لهم معللا أو مغيا بالتبين والعلم ويكون توجه الاستفهام إليه من تلك الحيثية وذلك بين الفساد بل بما يدل عليه ذلك كأنه قيل لم سارعت إلى الإذن لهم وهلا تأنيت حتى ينجلى الأمر كما هو قضية الحزم. قال قتادة وعمرو بن ميمون اثنان فعلهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يؤمر فيهما بشىء إذنه للمنافقين وأخذه الفداء من الأسارى فعاتبه الله تعالى كما تسمعون وتغيير الأسلوب بأن عبر عن الفريق الأول بالموصول الذى صلته فعل دال على الحدوث وعن الفريق الثانى باسم الفاعل المفيد الدوام للإيذان بأن ما ظهر من الأولين صدق حادث فى أمر خاص غير مصحح لنظمهم فى سلك الصادقين وأن ما صدر من الآخرين