(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦١)
____________________________________
لما دل عليه صدر الآية أى فرض لهم الصدقات فريضة ونقل عن سيبويه أنه منصوب بفعله مقدرا أى فرض الله ذلك فريضة أو حال من الضمير المستكن فى قوله للفقراء أى إنما الصدقات كائنة لهم حال كونها فريضة أى مفروضة (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوال الناس ومراتب استحقاقهم (حَكِيمٌ) لا يفعل إلا ما تقتضيه* الحكمة من الأمور الحسنة التى من جملتها سوق الحقوق إلى مستحقيها (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ) نزلت فى فرقة من المنافقين قالوا فى حقه صلىاللهعليهوسلم ما لا ينبغى فقال بعضهم لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه ذلك فيقع بنا فقال الجلاس بن سويد نقول ما شئنا ثم نأتيه فننكر ما قلنا ونحلف فيصدقنا بما نقول إنما محمد أذن سامعة وذلك قوله عزوجل (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) أى يسمع كل ما قيل من غير أن يتدبر فيه ويميز بين* ما يليق بالقبول لمساعدة أمارات الصدق له وبين ما لا يليق به وإنما قالوه لأنه صلىاللهعليهوسلم كان لا يواجههم بسوء ما صنعوا ويصفح عنهم حلما وكرما فحملوه على سلامة القلب وقالوا ما قالوا (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) من قبيل* رجل صدق فى الدلالة على المبالغة فى الجودة والصلاح كأنه قيل نعم هو أذن ولكن نعم الأذن ويجوز أن يكون المراد أذنا فى الخير والحق وفيما ينبغى سماعه وقبوله لا فى غير ذلك كما يدل عليه قراءة رحمة بالجر عطفا عليه أى هو أذن خير ورحمة لا يسمع غيرهما ولا يقبله وقرىء أذن بسكون الذال فيهما وقرىء أذن خير على أنه صفة أو خبر ثان وقوله عزوجل (يُؤْمِنُ بِاللهِ) تفسير لكونه أذن خير لهم أى* يصدق بالله تعالى لما قام عنده من الأدلة الموجبة له وكون ذلك خيرا للمخاطبين كما أنه خير للعالمين مما لا يخفى (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) أى يصدقهم لما علم فيهم من الخلوص واللام مزيدة للتفرقة بين الإيمان المشهور* وبين الإيمان بمعنى التسليم والتصديق كما فى قوله تعالى (أَنُؤْمِنُ لَكَ) الخ وقوله تعالى (فَما آمَنَ لِمُوسى) الخ (وَرَحْمَةٌ) * عطف على أذن خير أى وهو رحمة بطريق إطلاق المصدر على الفاعل للمبالغة (لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) أى* للذين أظهروا الإيمان منكم حيث يقبله منهم لكن لا تصديقا لهم فى ذلك بل رفقا بهم وترحما عليهم ولا يكشف أسرارهم ولا يهتك أستارهم وإسناد الإيمان إليهم بصيغة الفعل بعد نسبته إلى المؤمنين بصيغة الفاعل المنبئة عن الرسوخ والاستمرار للإيذان بأن إيمانهم أمر حادث ما له من قرار وقرىء بالنصب على أنها علة لفعل دل عليه أذن خير أى يأذن لكم رحمة (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ) بما نقل عنهم من قولهم هو* أذن ونحوه وفى صيغة الاستقبال المشعرة بترتب الوعيد على الاستمرار على ما هم عليه إشعار بقبول توبتهم كما أفصح عنه قوله تعالى فيما سيأتى (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ (لَهُمْ) بما يجترئون عليه من أذيته صلىاللهعليهوسلم كما ينبىء* عنه بناء الحكم على الموصول (عَذابٌ أَلِيمٌ) وهذا اعتراض مسوق من قبله عزوجل على نهج الوعيد غير* داخل تحت الخطاب وفى تكرير الإسناد بإثبات العذاب الأليم لهم ثم جعل الجملة خبرا للموصول ما لا يخفى من المبالغة وإيراده صلىاللهعليهوسلم بعنوان الرسالة مضافا إلى الاسم الجليل لغاية التعظيم والتنبيه على أن أذيته