(يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) (٦٥)
____________________________________
فله وأن تكرير للأولى تأكيدا لطول العهد لا من باب التأكيد اللفظى المانع للأولى من العمل ودخول الفاء كما فى قول من قال[لقد علم الحى اليمانون أننى * إذا قلت أما بعد أنى خطيبها] وقد جوز أن يكون فأن له معطوفا على أنه وجواب الشرط محذوف تقديره ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله يهلك فأن له الخ ورد بأن ذلك إنما يجوز عند كون فعل الشرط ماضيا أو مضارعا مجزوما بلم (خالِداً فِيها) حال مقدرة* من الضمير المجرور إن اعتبر فى الظرف ابتداء الاستقرار وحدوثه وإن اعتبر مطلق الاستقرار فالأمر ظاهر (ذلِكَ) أشير إلى ما ذكر من العذاب الخالد بذلك إيذانا ببعد درجته فى الهول والفظاعة (الْخِزْيُ الْعَظِيمُ) الخزى الذل والهوان المقارن للفضيحة والندامة وهى ثمرات نفاقهم حيث يفتضحون على رءوس الأشهاد بظهورها ولحوق العذاب الخالد بهم والجملة تذييل لما سبق (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) فى شأنهم فإن ما نزل فى حقهم نازل عليهم (سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) من الأسرار الخفية فضلا عما كانوا* يظهرونه فيما بينهم من أقاويل الكفر والنفاق ومعنى تنبئتها إياهم بما فى قلوبهم مع أنه معلوم لهم وأن المحذور عندهم اطلاع المؤمنين على أسرارهم لا اطلاع أنفسهم عليها أنها تذيع ما كانوا يخفونه من أسرارهم فتنتشر فيما بين الناس فيسمعونها من أفواه الرجال مذاعة فكأنها تخبرهم بها أو المراد بالتنبئة المبالغة فى كون السورة مشتملة على أسرارهم كأنها تعلم من أحوالهم الباطنة ما لا يعلمونه فتنبئهم بها وتنعى عليهم قبائحهم وقيل معنى يحذر ليحذر وقيل الضميران الأولان للمؤمنين والثالث للمنافقين ولا يبالى بالتفكيك عند ظهور الأمر بعود المعنى إليه أى يحذر المنافقون أن تنزل على المؤمنين سورة تخبرهم بما فى قلوب المنافقين وتهتك عليهم أستارهم قال أبو مسلم كان إظهار الحذر منهم بطريق الاستهزاء فإنهم كانوا إذا سمعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يذكر كل شىء ويقول إنه بطريق الوحى يكذبونه ويستهزئون به ولذلك قيل (قُلِ اسْتَهْزِؤُا) أى* افعلوا الاستهزاء وهو أمر تهديد (إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ) أى من القوة إلى الفعل أو من الكمون إلى البروز* (ما تَحْذَرُونَ) أى ما تحذرونه من إنزال السورة ومن مخازيكم ومثالبكم المستكنة فى قلوبكم الفاضحة لكم على* ملأ الناس والتأكيد لرد إنكارهم بذلك لا لدفع ترددهم فى وقوع المحذور إذ ليس حذرهم بطريق الحقيقة (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) عما قالوا (لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) روى أنه صلىاللهعليهوسلم كان يسير فى غزوة تبوك وبين يديه ركب من المنافقين يستهزئون بالقرآن وبالرسول صلىاللهعليهوسلم ويقولون انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتتح حصون الشام وقصورها هيهات هيهات فأطلع الله تعالى نبيه على ذلك فقال احبسوا على الركب فأتاهم فقال قلتم كذا وكذا فقالوا يا نبى الله لا والله ما كنا فى شىء من أمرك ولا من أمر أصحابك ولكن كنا فى شىء مما يخوض فيه الركب ليقصر بعضنا على بعض السفر (قُلْ) غير ملتفت إلى اعتذارهم ناعيا*