(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) (٣٢)
____________________________________
الكلى وتبيين أن عدم تبديل القول وتحقيق موجب الوعيد ليس من جهته تعالى من غير استحقاق له منهم بل إنما ذلك بما صدر عنهم من الجنايات الموجبة له حسبما أشير إليه آنفا أى وما أنا بمعذب للعبيد بغير ذنب ليس بظلم على ما تقرر من قاعدة أهل السنة فضلا عن كونه ظلما مفرطا لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه سبحانه من الظلم وصيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب فى معرض المبالغة فى الظلم وقيل هى لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده على أنها مبالغة كما لا كيفا (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) سؤال وجواب جىء بهما على منهاج التمثيل والتخييل لتهويل أمرها والمعنى أنها مع اتساعها وتباعد أقطارها تطرح فيها من الجنة والناس فوجا بعد فوج حتى تمتلىء أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد محل فارغ أو أنها لغيظها على العصاة تطلب زيادتهم وقرىء يقول بالياء والمزيد إما مصدر كالمحيد والمجيد أو مفعول كالمبيع ويوم إما منصوب باذكر أو أنذر أو ظرف لنفخ فتكون ذلك حينئذ إشارة إليه من غير حاجة إلى تقدير مضاف أو لمقدر مؤخر أى يكون من الأحوال والأهوال ما يقصر عنه المقال (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) شروع فى بيان حال المؤمنين بعد النفخ ومجىء النفوس إلى موقف الحساب وقد مر سر تقديم بيان حال الكفرة عليه وهو عطف على نفخ أى قربت للمتقين عن الكفر والمعاصى بحيث يشاهدونها من الموقف ويقفون على ما فيها من فنون المحاسن فيبتهجون* بأنهم محشورون إليها فائزون بها وقوله تعالى (غَيْرَ بَعِيدٍ) تأكيد للإزلاف أى مكانا غير بعيد بحيث يشاهدونها أو حال كونها غير بعيد أى شيئا غير بعيد ويجوز أن يكون التذكير لكونه على زنة المصدر الذى يستوى فى الوصف به المذكر والمؤنث أو لتأويل الجنة بالبستان (هذا ما تُوعَدُونَ) إشارة إلى الجنة والتذكير لما أن المشار إليه هو المسمى من غير أن يخطر بالبال لفظ يدل عليه فضلا عن تذكيره وتأنيثه فإنهما من أحكام اللفظ العربى كما مر فى قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي) وقوله تعالى (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) ويجوز أن يكون ذلك لتذكير الخبر وقيل هو إشارة إلى ثواب وقيل إلى مصدر أزلفت وقرىء يوعدون والجملة إما اعتراض بين البدل والمبدل منه وإما مقدر بقول هو حال من المتقين أو من الجنة والعامل أزلفت أى مقولا لهم أو مقولا* فى حقها هذا ما توعدون (لِكُلِّ أَوَّابٍ) أى رجاع إلى الله تعالى بدل من المتقين بإعادة الجار (حَفِيظٍ) حافظ لتوبته من النقض وقيل هو الذى يحفظ ذنوبه حتى يرجع عنها ويستغفر منها وقيل هو الحافظ لأوامر الله تعالى وقيل لما استودعه الله تعالى من حقوقها.