(أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (١٤)
____________________________________
والمعنى والسابقون هم الذين اشتهرت أحوالهم وعرفت محاسنهم كقول أبى النجم [أنا أبو النجم وشعرى شعرى] وفيه من تفخيم شأنهم والإيذان بشيوع فضلهم واستغنائهم عن الوصف بالجميل ما لا يخفى وقيل والسابقون إلى طاعة الله تعالى السابقون إلى رحمته أو السابقون إلى الخير والسابقون إلى الجنة وقوله تعالى (أُولئِكَ) إشارة إلى السابقين وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان ببعد منزلتهم فى الفضل ومحله الرفع على الابتداء خبره ما بعده أى أولئك الموصوفون بذلك النعت* الجليل (الْمُقَرَّبُونَ) أى الذين قربت إلى العرش العظيم درجاتهم وأعليت مراتبهم ورقيت إلى حظائر القدس نفوسهم الزكية هذا أظهر ما ذكر فى إعراب هذه الجمل وأشهره والذى تقتضيه جزالة التنزيل أن قوله تعالى (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) خبر مبتدأ محذوف وكذا قوله تعالى (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) وقوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ) فإن المترقب عند بيان انقسام الناس إلى الأقسام الثلاثة بيان أنفس الأقسام الثلاثة وأما أوصافها وأحوالها فحقها أن تبين بعد ذلك بإسنادها إليها والتقدير فأحدها أصحاب الميمنة والآخر أصحاب المشأمة والثالث السابقون خلا أنه لما أخر بيان أحوال القسمين الأولين عقب كل منهما بجملة معترضة بين القسمين منبئة عن ترامى أحوالهما فى الخير والشر إنباء إجماليا مشعرا بأن لأحوال كل منهما تفصيلا مترقبا لكن لا على أن ما الاستفهامية مبتدأ وما بعدها خبر على ما رآه سيبويه فى أمثاله بل على أنها خبر لما بعدها فإن مناط الإفادة بيان أن أصحاب الميمنة أمر بديع كما يفيده كون ما خبر إلا بيان أن أمرا بديعا أصحاب الميمنة كما يفيده كونها مبتدأ وكذا الحال فى ما أصحاب المشأمة وأما القسم الأخير فحيث قرن بيان محاسن أحواله بذكره لم يحتج فيه إلى تقديم إلا نموذج فقوله تعالى (السَّابِقُونَ) مبتدأ والإظهار فى مقام الإضمار للتفخيم وأولئك مبتدأ ثان أو بدل من الأول وما بعده خبر له أو الثانى والجملة خبر للأول وقوله تعالى (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) متعلق بالمقربون أو بمضمر هو حال من ضميره أى كائنين فى جنات النعيم وقيل خبر ثان لاسم الإشارة وفيه أن الأخبار بكونهم مقربين ليس فيه مزيد مزية وقرىء فى جنة النعيم وقوله تعالى (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) خبر مبتدأ محذوف أى هم أمة جمة من الأولين وهم الأمم السالفة من لدن آدم إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وعلى من بينهما من الأنبياء العظام (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) أى من هذه الأمة ولا يخالفه قوله عليه الصلاة والسلام إن أمتى يكثرون