(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (١٠)
____________________________________
عن على رضى الله عنه أن التوبة يجمعها ستة أشياء على الماضى من الذنوب الندامة وللفرائض الإعادة ورد المظالم واستحلال الخصوم وأن تعزم على أن لا تعود وأن تذيب نفسك فى طاعة الله تعالى كما ربيتها فى المعصية وأن تذيقها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية وعن شهر بن حوشب أن لا يعود ولو حز بالسيف وأحرق بالنار وقيل نصوحا من نصاحة الثوب أى توبة ترفو خروقك فى دينك وترم خللك وقيل خالصة من قولهم عسل ناصح إذا خلص من الشمع ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس أى تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها فى صاحبها واستعماله الجد والعزيمة فى العمل بمقتضياتها وقرىء توبا نصوحا وقرىء نصوحا وهو مصدر نصح فإن النصح والنصوح كالشكر والشكور أى ذات النصح أو تنصح نصوحا أو توبوا لنصح أنفسكم على أنه مفعول له (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ورود صيغة الأطماع للجرى على سنن الكبرياء والإشعار بأنه تفضل والتوبة غير موجبة له وأن العبد ينبغى أن يكون بين خوف ورجاء وإن بالغ فى إقامة وظائف العبادة (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ) ظرف ليدخلكم (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) عطف على النبى وفيه تعريض بمن أخزاهم* الله تعالى من أهل الكفر والفسوق واستحماد إلى المؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم وقيل هو مبتدأ خبره قوله تعالى (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) أى على الصراط وهو على الأول استئناف* أو حال وكذا قوله تعالى (يَقُولُونَ) الخ وعلى الثانى خبر آخر للموصول أى يقولون إذا طفىء نور المنافقين* (رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقيل يدعون تقربا إلى الله مع تمام نورهم* وقيل تفاوت أنوارهم بحسب أعمالهم فيسألون إتمامه تفضلا وقيل السابقون إلى الجنة يمرون مثل البرق على الصراط وبعضهم كالريح وبعضهم حبوا وزحفا وأولئك الذين يقولون ربنا أتمم لنا نورنا (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ) بالسيف (وَالْمُنافِقِينَ) بالحجة (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) واستعمل الخشونة على الفريقين* فيما تجاهدهما من القتال والمحاجة (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) سيرون فيها عذابا غليظا (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أى جهنم* أو مصيرهم (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) ضرب المثل فى أمثال هذه المواقع عبارة عن إيراد حالة غريبة ليعرف بها حالة أخرى مشاكلة لها فى الغرابة أى جعل الله مثلا لحال هؤلاء الكفرة حالا ومآلا على أن مثلا مفعول ثان لضرب واللام متعلقة به وقوله تعالى (امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ) أى حالهما* مفعوله الأول أخر عنه ليتصل به ما هو شرح وتفصيل لحالهما ويتضح بذلك حال هؤلاء فقوله تعالى (كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ) بيان لحالهما الداعية لهما إلى الخير والصلاح أى كانتا فى عصمة* نبيين عظيمى الشأن متمكنين من تحصيل خيرى الدنيا والآخرة وحيازة سعادتيهما وقوله تعالى (فَخانَتاهُما) *