(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨) قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٩)
____________________________________
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) إضراب وانتقال من حكاية شناعتهم السابقة إلى حكاية ما هو أشنع منها وما فى أم من الهمزة للإنكار التوبيخى المتضمن للتعجيب أى بل أيقولون افترى القرآن (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ) * على الفرض (فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) إذ لا ريب فى أنه تعالى يعاجلنى حينئذ بالعقوبة فكيف أجترىء* على أن افترى عليه تعالى كذبا فأعرض نفسى للعقوبة التى لا مناص عنها (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) أى* تندفعون فبه من القدح فى وحى الله والطعن فى آياته وتسميته سحرا تارة وفرية أخرى (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) حيث يشهد لى بالصدق والبلاغ وعليكم بالكذب والجحود وهو وعيد بجزاء إفاضتهم وقوله تعالى (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وعد بالغفران والرحمة لمن تاب وآمن وإشعار بحلم الله تعالى عنهم* مع عظم جرائمهم (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) البدع بمعنى البديع كالخل بمعنى الخليل وهو ما لا مثل له وقرىء بفتح الدال على أنه صفة كقيم وزيم أو جمع مقدر بمضاف أى ذا بدع وقد جوز ذلك فى القراءة الأولى أيضا على أنه مصدر كانوا يقترحون عليه عليه الصلاة والسلام آيات عجيبة ويسألونه عن المغيبات عنادا ومكابرة فأمر عليهالسلام بأن يقول لهم ما كنت بديعا من الرسل قادرا على ما لم يقدروا عليه حتى آتيكم بكل ما تقترحونه وأخبركم بكل ما تسلون عنه من الغيوب فإن من قبلى من الرسل عليهم الصلاة والسلام ما كانوا يأتون إلا بما آتاهم الله تعالى من الآيات ولا يخبرونهم إلا بما أوحى إليهم (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) أى أى شىء يصيبنا فيما يستقبل من الزمان من أفعاله تعالى وماذا* يقدر لنا من القضاياه وعن الحسن رضى الله عنه ما أدرى ما يصير إليه أمرى وأمركم فى الدنيا وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما يفعل بى ولا بكم فى الآخرة وقال هى منسوخة بقوله تعالى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) وقيل يجوز أن يكون المنفى هى الدراية المفصلة والأظهر الأوفق لما ذكر من سبب النزول أن ما عبارة عما ليس علمه من وظائف النبوة من الحوادث والواقعات الدنيوية دون ما سيقع فى الآخرة فإن العلم بذلك من وظائف النبوة وقد ورد به الوحى الناطق بتفاصيل ما يفعل بالجانبين هذا وقد روى عن الكلبى أن أصحاب النبى صلىاللهعليهوسلم قالوا له عليهالسلام وقد ضجروا من أذية المشركين حتى متى نكون على هذا فقال ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم أأترك بمكة أم أومر بالخروج إلى أرض ذات نخيل وشجر قد رفعت لى ورأيتها يعنى فى منامه وجوز أن تكون ما موصولة والاستفهامية أقضى لحق مقام التبرؤ عن الدراية وتكرير لا لتذكير النفى المنسحب إليه وتأكيده