لأنهم لا يملكون معه أيّ شيء ، (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) في ذلك فأراد تكريمه بالشفاعة لبعض الخاطئين الذين يريد أن يغفر لهم ، بحيث تكون الشفاعة وظيفة إلهية محدّدة الموقع معيّنة الشخص والدور ، من دون زيادة ولا نقصان. وفي ضوء ذلك ، نفهم أن الشفاعة ليست حالة ذاتية للشفعاء لدى الله ، بل هي مهمّة محدّدة في دائرة المهمات التي قد يوكلها إلى بعض عباده ، لمصلحة يراها ، في وقت محدود ، ودور خاصّ ، مما يفرض على المؤمنين عدم الاستغراق في ذات النبي أو الولي طلبا للشفاعة ، بل في توجيه الخطاب لله أن يمنحه الشفاعة من خلالهما.
(حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) أي إذا ذهب الفزع عن قلوبهم ، والظاهر أن الضمير يعود إلى المشركين الذين يواجهون الموقف الصعب يوم القيامة ، فلا يجدون ناصرا ولا معينا ، ويعرفون أنه لا مجال للهرب ولا للنجاة ، فيعيشون في أجواء الفزع التي لا يملكون ـ معها ـ أن يفكروا بهدوء ، أو يجيبوا عن أي سؤال ، لأن الفزع يعطل تفكيرهم عن الحركة ، فإذا ذهب الفزع ملكوا فكرهم وأمكنهم أن يواجهوا السؤال بهدوء (قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) وهو سؤال توجهه الملائكة إليهم ، أي كيف رأيتم طبيعة وحي الله الذي بلّغكم به الأنبياء في حديثهم عن اليوم الآخر ، وعن الحساب الذي ينتظركم فيه؟ هل ترونه حقا ، كما تشاهدونه الآن ، أو تجدونه باطلا ، كما كنتم تزعمون في الدنيا؟ (قالُوا الْحَقَ) فليس هناك أيّ باطل في ما جاءت به الرسل ، وها نحن نراه بكل تفاصيله ، في هذا اليوم ، فنجد أن الله وحده هو الحق ، وأن ما كنا ندعو إليه هو الباطل ، (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) في سموّ عظمته ، وفي سعة قدرته.
(* قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في نداء المعرفة الذي يريد أن يقتلع الجواب من الأعماق حيث ترقد حقائق العقيدة ، فمن هو الذي ينزل الماء من السماء فتصبح الأرض مخضرّة ، وتتحوّل أعماقها إلى ينابيع؟ ومن هو