القاعدة العلمية التي ترى في الشك طريقا إلى اليقين ، وترفض القناعات القائمة على أساس إهمال الحوار وإغفال الفكر والإصرار على العناد ، مما يجعل من الحوار الفكري حركة إيجابية في الجواب عن علامات الاستفهام المنفتحة على كل آفاق الحرية في المعرفة ، بما يثيره العقل من قضايا ومشاكل وآراء.
وقد جاءت هذه الآية لتؤكد على هذه القاعدة الفكرية الحوارية التي تؤكد قاعدة «الشك في طريق اليقين» ، فأكدت على أن الأسلوب العملي السليم هو الذي يعتمد على تفريغ الموقف من الأفكار المسبقة التي تحوّل الموقف إلى عقدة تفرض نفسها على كل مواطن الحوار ، وتشكّل حاجزا يمنع الأطراف من الشعور بحريّة الحركة في ما يقبلون ويرفضون ، ويتمثل ذلك في اعتبار الشك في الفكرة موقفا مشتركا بين الطرفين ، يوحي لكلّ منهما بضرورة إعادة النظر في القضية ومحاولة مواجهتها من جديد ، كما لو لم يواجهها من قبل ، فليس هناك حكم سابق من أيّ من الطرفين على الخصم بالهدى أو بالضلال ، بل هو الموقف المشترك الذي يريد أن يصل إلى الحقيقة من خلال الحوار الإيجابي القائم على الوعي والشعور العميق بالحاجة إلى الوقوف مع خط الإيمان بالنتائج أيّا كانت ، وهذا ما تجسّده هذه الآية ، فقد نلاحظ أن النبي ـ كما علّمه الله ـ لم يعط في أسلوبه هذا لنفسه صفة الهدى ، ولم يدمغ خصمه بصفة الضلال ، مع إيمانه العميق بأن المسألة في واقعها الأصيل لا تبتعد عن ذلك ، ليترك الحوار يأخذ مجراه دون تعقيد وصولا إلى النتيجة الحاسمة من موقع الحرية الفكرية المنطلقة مع الحوار في الخط الصحيح.
وقد تكون قيمة هذا الأسلوب أنه يجرد الموقف من أيّة حساسيات إيحائية في النظرة إلى الذات ، وإلى الآخرين ، حيث يترك الفكرة بعيدة عن الالتزامات المؤيدة في جانب صاحبها ، أو المضادة في الجانب الآخر ، خلافا للطريقة المعروفة في الأسلوب المطروح علميا للحوار ، الذي يقول : «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» بينما الطرح القرآني