الاعتقادي والعملي ، عن خط الحق إلى الباطل.
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) يا محمد ، فلست أوّل الرسل الذين تكذبهم أممهم بسبب الرواسب المتعفّنة التي تكمن في العمق اللّاشعوري من شخصياتهم ، وبفعل الامتيازات الطبقية التي يخافون من الرسالات أن تحرمهم منها ، ولتبنّيهم الأفكار الخاطئة المتخلفة التي يحملونها في ذهنيتهم الجاهلة ، عن الرسالة والرسول ، فلا تنفعل بذلك ، انفعالا ضاغطا على موقفك الرسالي في حركة الدعوة (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) ولم يسقطوا ولم يتراجعوا ، بل تابعوا الرسالة بما تفرضه من مواقف وتحدّيات ، بعيدا عن النتائج السلبية ، لأنهم يعلمون أنّ انطلاق الرسالة في مواجهة التيار الفكري والعملي للمجتمع الجاهلي ، يفرض التحديات والمواقف المضادّة ، ويتطلب الصبر والصمود والاستمرار في السير على الخط حتى يستنفدوا كل وسائلهم وأساليبهم وتجاربهم في تحريك كل الخطوط التي يملكونها ، إلى أن يأتي الله بأمره (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فهو الذي يحكم بين عباده ، فيجزي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) بما وعدكم من الثواب والعقاب في الدار الآخرة (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) فتخدعكم مظاهرها وزخارفها وملذاتها وشهواتها وأطماعها ، وتشغلكم عن التفكير في عواقبها السيئة ، العاجلة أو الآجلة ، فتمتدون بها في طول الأمل وغفلة العقل والروح والضمير.
(وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) الذي يغركم ويخدعكم فيهوّن عليكم حقارة الذنوب ، ويوحي إليكم بأنّ الله غفور رحيم ، ويزيّن لكم المعصية ، ويحبّب إليكم الشهوة ، ويطوّل لكم الأمل ، فيؤدّي بكم إلى الغفلة التي تؤدي إلى الكفر والضلال.
* * *