ليس عام بأكثر مطرا من عام ، ولكنّ الله يصرفه حيث يشاء. (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) لا يعلم بين أهل التفسير اختلافا أنّ الكفر هاهنا قولهم : «مطرنا بنوء كذا وكذا» (١) وأن نظيره قول المنجّم : فعل النجم كذا وكذا ، وأنّ كلّ من نسب إليها فعلا فهو كافر.
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) للعلماء في هذا ثلاثة أقوال : فمن أجلها ما روي عن ابن عباس ، قال : النسب سبع (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) [النساء : ٢٣] والصّهر السبع (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) [النساء : ٢٣] إلى آخر الآية. وشرح هذا أنّ السبع الأول من النسب فتقديره في العربية : فجعله ذا نسب وذا صهر. والسبع الذين من الصهر أي ممن يقع فيهم الصهر لو لا ما حدث ، وقال الضحاك : النسب الأقرباء ، والصهر ذوات الرضاع ، والقول الثالث : أنّ النسب الذكر من الأولاد ، والصهر الإناث من الأولاد ؛ لأنّ المصاهرة من جهتين تكون.
(وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) روي عن ابن عباس الكافر هاهنا أبو جهل وشيعته لأنه يستظهر بعبدة الأوثان على أولياء ربه. وقال عكرمة : الكافر إبليس ظهير على عداوة ربه ، وقال مطر : الكافر هاهنا الشيطان.
(مِنْ) في موضع ونصب استثناء ليس من الأول. والتقدير : لكن من شاء أن ينفق ابتغاء مرضاة الله ليتّخذ إلى ثواب ربّه طريقا فليفعل.
(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ) في رفعه ثلاثة أوجه يكون بدلا من المضمر الذي في استوى ، ويجوز أن يكون مرفوعا بمعنى هو الرحمن ، ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً). ويجوز الخفض بمعنى وتوكّل على الحيّ الذي لا يموت الرّحمن ، يكون نعتا ، ويجوز النصب على المدح.
__________________
(١) يشير إلى الحديث : «أصبح الناس بين مؤمن وكافر فمن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب» ، أخرجه مالك في الموطأ باب ٣ ، الحديث رقم (٦).