هذه قراءة المدنيين والبصريين ، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي لما يأمرنا (١) بالياء. والقراءة الأولى اختيار أبي عبيد ، وتأوّل الثانية فيما نرى «أنسجد لما يأمرنا الرحمن» ، قال : ولو أقرّوا بأنّ الرحمن أمرهم ما كانوا كفارا ، وليس يجب أن يتأوّل عن الكوفيين في قراءتهم بهذا التأويل البعيد ، ولكن الأولى أن يكون التأويل لهم أنسجد لما يأمرنا النبيّ صلىاللهعليهوسلم فتصح القراءة على هذا ، وإن كانت الأولى أبين وأقرب متناولا.
هذه قراءة المدنيين والبصريين وعاصم ، وقرأ سائر الكوفيين سرجا (٢) والقراءة الأولى أولى عند أبي عبيد ، لأنه تأول أن السرج النّجوم ، وأنّ البروج النجوم ، وليس يجب أن يتأوّل لهم هذا فيجيء المعنى نجوما ونجوما ، ولكن التأويل لهم أن أبان بن تغلب قال : السّرج النجوم الدراريّ فعلى هذا تصحّ القراءة ويكون مثل قوله جلّ وعزّ (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] فأعيد ذكر النجوم النيّرة ، وإن كانت القراءة الأولى أبين وأوضح تأويلا. قال ابن عباس : السراج الشمس وروى عصمة عن الأعمش (وَقَمَراً) (٣) بضم القاف وإسكان الميم. وهذه قراءة شاذة.
ولو لم يكن فيها إلا أن أحمد بن حنبل وهو إمام المسلمين في وقته قال : لا تكتبوا ما يحكيه عصمة الذي يروي القراءات. وقد أولع أبو حاتم السجستاني بذكر ما يرويه عصمة هذا.
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) هذه قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم على اختلاف عنه والكسائي ، وقرأ الأعمش وحمزة (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) (٤)
الأصل في «يذّكّر» يتذكّر ثم أدغمت التاء في الدال أي يتذكّر ويتفكّر في خلق الله ، فإنّ الدلالة فيه بيّنة فهذه القراءة بيّنة ويذكر يجوز أن يتبيّن هذه الأشياء بذكره.
(وَعِبادُ الرَّحْمنِ) رفع بالابتداء وقد أشكل على جماعة من النحويين هذا حتى قال
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٦٦ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٦٦.
(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٦٧.
(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٦٨ ، وهي قراءة الحسن والنخعيّ.
(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٦٨ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٦٦.