«يلقّون» كانت في العربية بالباء. وهذا من الغلط أشدّ مما مرّ في السورة لأنه يزعم أنها لو كانت يلقّون كانت في العربية بتحية وسلام. وقال كما يقال : فلان يتلقّى بالسّلام وبالخير. فمن عجيب ما في هذا أنّه قال : يتلقّى ، والآية يلقّون ، والفرق بينهما بيّن لأنه يقال : فلان يتلقّى بالجنّة ، ولا يجوز حذف الياء ، فكيف يشبه هذا ذاك وأعجب من هذا أنّ في القرآن (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) [الإنسان : ١١] لا يجوز أن يقرأ بغيره وهذا يبيّن أن الأولى خلاف ما قال.
(خالِدِينَ فِيها) على الحال.
(فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) وعن ابن عباس بإسناد صحيح أنه قرأ : فقد كذّب الكافرون فسوف يكون لزاما (١) وكذا روى شعبة عن إبراهيم التيمي عن أبي الزبير قال شعبة : وكذا في قراءة عبد الله بن مسعود. وهذه القراءة مخالفة للمصحف وينبغي أن تحمل على التفسير ؛ لأن معنى (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) أنّه يخاطب به الكفار ، وهذه القراءة مع موافقتها للسواد أولى بسياق الكلام لأن الله جلّ وعزّ قال : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) فهذه مخاطبة ، وكذا (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) فهذا أولى من فقد كذّب الكافرون فسوف يكون لزاما وقد تكلم النحويون فيه ، فمن حسن ما قيل فيه أنّ التقدير فسوف يكون التكذيب لأن كذبتم يدلّ على التكذيب ، وحقيقته في العربية فسوف يكون جزاء التكذيب عذابا لزاما أي ذا لزام. ولزام وملازمة واحد. وحكى أبو حاتم عن أبي زيد قال : سمعت قعنبا أبا السّمال ليقرأ : (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) (٢) بفتح اللام. قال أبو جعفر : يكون مصدر لزم ، والكسر أولى مثل قتال ومقاتلة كما أجمعوا على الكسر في قوله جلّ وعزّ (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) [طه : ١٢٩] وللفراء قول آخر (٣) في اسم يكون قال : يكون فيها مجهول. وهذا غلط لأن المجهول لا يكون خبره إلا جملة ، كما قال جلّ وعزّ : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) [يوسف: ٩٠] وكما حكى النحويون : كان زيد منطلق. يكون في كان مجهول ، ويكون المبتدأ وخبر مخبر المجهول ، والتقدير كان الحديث. فأما أن يقال : كان منطلقا ويكون في كان مجهول فلا يجوز عند أحد علمناه.
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٥ ، ومختصر ابن خالويه ١٠٥.
(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٥.
(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٧٥.