أنهما نكرتان. قال أبو إسحاق : والمعنى من متقدّم ومن متأخّر ، ومنها أنه شبّه من قبل ومن بعد بقولهم : من عل ، وأنشد : [الرجز]
٣٣٤ ـ إن تأت من تحت أجئها من عل (١)
وليس من قبل ومن بعد من باب من عل. قال سيبويه (٢) : ولم يسكنوا من الأسماء ما ضارع المتمكّن ولا ما جعل في موضع بمنزلة غير المتمكّن. فالمضارع «من عل» حرّكوه لأنهم يقولون : من عل فأما التمكّن الذي جعل بمنزلة غير المتمكن فقولهم : أبدأ بهذا أول ويا حكم ، أفلا ترى أن سيبويه لحذفه قد فصل بين «من عل» وبين «أول» ثم جاء الفراء فجمع بينهما ، وأنشد الذي ذكرناه ، وأنشد : [الطويل]
٣٣٥ ـ فو الله ما أدري وإنّي لأوجل |
|
على أيّنا تعدو المنيّة أوّل (٣) |
فخلط الجميع في الباب وجاء بهما في «قبل وبعد» وأحدهما مخالف لقبل وبعد.
فأما الكلام في قبل وبعد على مذهب سيبويه وعلى مذهب البصريين إنّ سبيلهما أن لا يعربا لأنهما قد كانتا حذف منهما المضاف إليه والإضافة فصارتا معرفتين من غير جهة التعريف فزال تمكّنهما فلم يخليا من حركة لأنهما قد كانتا معربتين فاختير لهما الضم لأنه قد يلحقهما بحقّ الإعراب الجرّ والنصب فأعطيتا غير تينك الحركتين فضمّتا إلّا أن أبا العباس محمد بن يزيد قال : لمّا كانتا غايتين أعطيتاه ما هو غاية الحركات. (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) في معناه قولان : أحدهما أنهم فرحون بغلبة الروم فارس ؛ لأن الروم أهل كتاب فهم إلى المسلمين أقرب من الأوثان ، والقول الآخر وهو أولى أنّ فرحهم إنما هو لإنجاز وعد الله جلّ وعزّ إذ كان فيه دليل على النبوة لأنه أخبر جلّ وعزّ بما يكون في بضع سنين فكان فيه.
مصدر مؤكّد. قال أبو إسحاق : ويجوز (وَعْدَ اللهِ) بالرفع بمعنى ذلك وعد الله.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) وهم الكفار وهم أكثر.
(يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ثم بيّن ما يجهلونه بقوله : (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) «هم» الأول ابتداء والثاني ابتداء ثان والجملة خبر الأول ، وفي الكلام معنى التوكيد ،
__________________
(١) الرجز بلا نسبة في معاني الفراء ٢ / ٣١٩ ، وتهذيب اللغة ٢ / ٢٤٤ ، ولسان العرب (بعد).
(٢) انظر الكتاب ٣ / ٣١٩.
(٣) مرّ الشاهد رقم (١٤).