(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) وليس في هذا ردّ لعذاب القبر إذ كان قد صحّ عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم من غير طريق أنه تعوّذ منه ، وأمر أن يتعوّذ منه. من ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود قال : سمع صلىاللهعليهوسلم أمّ حبيبة تقول : اللهمّ أمتعني بزوجي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال لها النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «سألت الله في آجال مضروبة وأرزاق مقسومة ولكن سليه أن يعيذك من عذاب جهنّم أو عذاب القبر» (١) في أحاديث مشهورة. وفي معنى (ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) قولان : أولهما أنّه يريد لا بدّ من خمدة قبل يوم القيامة ولحق الفناء الذي كتب على الخلق من رحم ومن عذّب فعلى هذا قالوا ما لبثنا غير ساعة لأنهم لم يعملوا مقدار ذلك ، والقول الآخر أنهم يعنون في الدنيا لزوالها وانقطاعها وإن كانوا قد أقسموا على غيب وعلى غير ما يدرون قال الله جلّ وعزّ (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) أي كذلك كانوا يكذبون في الدنيا ، وقد زعم جماعة من أهل النظر أن القيامة لا يجوز أن يكون فيها كذب لما هم فيه ، والقرآن يدل على غير ذلك. قال الله جلّ وعزّ : (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) وقال جلّ ثناؤه (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) [المجادلة : ١٨].
وردّ عليهم المؤمنون فقالوا : (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) قال أبو إسحاق: أي في اللّوح المحفوظ وحكى يعقوب عن بعض القراء «إلى يوم البعث» (٢)
فهذا ما فيه حرف من حروف الحلق.
(فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) لمّا ردّ عليهم المؤمنون سألوا الرجوع إلى الدنيا واعتذروا فلم يعذروا (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) ولا حالهم حال من يستعتب فيرجع.
__________________
(١) أخرجه مسلم في صحيحه ـ القدر ـ ٣٢ ، ٣٣.
(٢) انظر المحتسب ٢ / ١٦٦.