(وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) قد ذكرناه ، وكان أبو إسحاق يذهب إلى أنه على التوكيد ، ويقول : إنّ قول قطرب التقدير من قبل التنزيل خطأ لأن المطر لا ينفك من التنزيل ، وأنشد : [الطويل]
٣٣٨ ـ مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت |
|
أغاليها مرّ الرّياح النّواسم (١) |
فأنّث المرّ ، لأنّ الرياح لا تنفكّ منه ، ولأن المعنى تسفّهت أعاليها الرياح ، فكذا معنى : «من قبل أن ينزل عليهم المطر» من قبل المطر. ويقال : آثر وإثر. (كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ) لا يجوز فيه الإدغام لئلا يجمع فيه ساكنان.
(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) قيل : التقدير فرأوا الزرع مصفرّا ، وقيل : فرأوا السحاب ، وقيل فرأوا الريح ، وذكّرت الريح لأنها للمرسل منها ، وقال محمد بن يزيد لا يمتنع تذكير كلّ مؤنث غير حقيقي نحو أعجبني الدار ، وما أشبهه (لَظَلُّوا) قال الخليل رحمهالله : معناه ليظلّنّ. قال أبو إسحاق : وجاز هذا لأن في الكلام معنى المجازاة.
(فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) جعلوا بمنزلة الموتى والصمّ ، لأنهم لا ينتفعون بما يسمعون. (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) قال الفراء (٢) : ويجوز من ضلالتهم بمعنى وما أنت بمانعهم من ضلالتهم ، وعن بمعنى وما أنت بصارفهم عن ضلالتهم.
(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) قال عطية عن ابن عمر رحمهالله قال : قرأت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من ضعف» فقال لي (مِنْ ضَعْفٍ) (٣) وقرأ عيسى بن عمر (مِنْ ضَعْفٍ) ، وقرأ الكوفيون (مِنْ ضَعْفٍ) وهو المصدر ، وأجاز النحويون منهم من ضعف ، وكذا كلّ ما كان فيه حرف من حروف الحلق ثانيا أو ثالثا. قال أبو إسحاق :
تأويله الله الذي خلقكم من النطفة التي حالكم معها الضعف ثم جعل من بعد الضعف الشبيبة.
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم ١٤١.
(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٢٦.
(٣) انظر تيسير الداني ١٤٢.