المدينة وعاصم (وَقَرْنَ) (١) بفتح القاف. و «قرن» بكسر القاف فيه تقديران : أما مذهب الفراء (٢) وأبي عبيد فإنه من الوقار ويقال : وقر يقر وقورا إذا ثبت في منزله ، والقول الآخر أن يكون من قرّ في المكان يقرّ بكسر القاف ، فيكون الأصل وقررن حذفت الراء الأولى استثقالا للتضعيف وألقيت حركتها على القاف فصار وقرن كما يقال : ظلت أفعل بكسر الظاء. فأما و «قرن» فقد تكلم فيه جماعة من أهل العربية فزعم أبو حاتم أنه لا مذهب له في كلام العرب ، وزعم أبو عبيد أن أشياخه كانوا ينكرونه من كلام العرب.
قال أبو جعفر : أما في قول أبي عبيد إنّ أشياخه أنكروه ، ذكر هذا في «كتاب القراءات» فإنه قد حكى في «الغريب المصنّف» (٣) نقض هذا. حكي عن الكسائي أنّ أهل الحجاز يقولون : قررت في المكان أقرّ. والكسائي من أجلّ مشايخه ، ولغة أهل الحجاز هي اللغة القديمة الفصيحة. وأما قول أبي حاتم : أنه لا مذهب له فقد خولف فيه ، وفيه مذهبان أحدهما ما حكاه الكسائي ، والآخر ما سمعت علي بن سليمان يقوله ، قال : هو من قررت به عينا أقرّ. فالمعنى : واقررن به عينا في بيوتكن ، وهذا وجه حسن إلّا أن الحديث يدلّ على أنه من الأول كما روي أن عمار قال لعائشة رضي الله عنهما : إنّ الله جلّ وعزّ أمرك أن تقرّي في منزلك ، فقالت : يا أبا اليقظان ما زلت قوّالا بالحقّ ، فقال : الحمد لله الذي جعلني كذلك على لسانك. (وَلا تَبَرَّجْنَ) قال أبو العباس : حقيقة التبرّج إظهار الزينة وإظهار ما ستره أحسن ، وهو مأخوذ من السعة يقال : في أسنانه تبرّج إذا كانت متفرّقة. قال : و «الجاهلية الأولى» كما تقول : الجاهلية الجهلاء ، قال : وكانت النساء في الجاهلية الجهلاء يظهرون ما يقبح إظهاره حتى كانت المرأة تجلس مع زوجها وخلمها فينفرد خلمها بما فوق الإزار إلى الأعلى. وينفرد زوجها بما دون الإزار إلى الأسفل ، وربما سأل أحدهما صاحبه البدل. (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) قال أبو إسحاق : قيل : يراد به نساء النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وقيل يراد به نساؤه وأهله الذين هم أهل بيته. قال أبو جعفر : والحديث في هذا مشهور عن أم سلمة وأبي سعيد الخدري أن هذا نزل في عليّ وفاطمة والحسن والحسين (٤) رضي الله عنهم ، وكان عليهم كساء ، وقوله «عنكم» يدلّ على أنه ليس للنساء خاصة. قال أبو إسحاق : (أَهْلَ الْبَيْتِ) نصب على المدح ، قال : وإن شئت على النداء. قال : ويجوز الرفع والخفض.
قال أبو جعفر : إن خفضت على أنه بدل من الكاف والميم لم يجز عند محمد بن يزيد ، قال : لا يبدل من المخاطب ولا من المخاطب ، لأنهما لا يحتاجان إلى تبيين. (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) مصدر فيه معنى التوكيد حوّلت المخاطبة على الحديث المروي إلى أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال جلّ وعزّ : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَ).
__________________
(١) انظر البحر المحيط : ٧ / ٢٢٣.
(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٤٢.
(٣) انظر الغريب المصنّف ص ٢٦١.
(٤) انظر البحر المحيط ٧ / ٢٢٤ ، وتفسير الطبري ٢٢ / ٦.