(أَفْتَرى) لمّا دخلت ألف الاستفهام واستغنيت عن ألف الوصل فحذفتها وكان فتح ألف الاستفهام فرقا بينها وبين ألف الوصل.
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) مفعولان : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) أي رجّعي الحنين فكانت الجبال تجيبه إذا تلا الزبور ، وهو من آب يؤوب إذا رجع. (وَالطَّيْرَ) (١) بالرفع قراءة الأعرج وأبي عبد الرحمن ، والرفع من جهتين : إحداهما على العطف على جبال ، والأخرى على العطف على المضمر الذي في أوّبي ، وحسن ذلك ، لأن بعده «معه» ، والنصب عند أبي عمرو بن العلاء بمعنى وسخّرنا له الطير ، وقال الكسائي : هو معطوف على فضلا أي آتيناه الطير ، وعند سيبويه (٢) معطوف على الموضع أي : نادينا الجبال والطير ، ويجوز أن يكون مفعولا معه ، كما تقول : استوى الماء والخشبة : أي مع الخشبة. قال أبو جعفر : سمعت أبا إسحاق يجيز قمت وزيدا. (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) قيل :
إنه أول من سخّر له الحديد ، وقيل أعطي من القوة أنه كان يثني الحديد ـ والله جلّ وعزّ أعلم بذلك ـ وقال الحسن : وكان داود صلىاللهعليهوسلم يأخذ الحديد فيكون في يده مثل العجين فيعمل منه الدروع.
(أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) لأبي إسحاق فيه جوابان : أحدهما أن تكون «أن» بمعنى أي مفسّرة تؤدّي عن معنى : قلنا له اعمل ، والجواب الآخر أن يكون في موضع نصب أي وألنّا له الحديد لها ووصلت أن بلفظ الأمر (سابِغاتٍ) في موضع نصب وأقيمت الصفة مقام الموصوف أي : اعمل دروعا سابغات والدروع مؤنثة إذا كانت للحرب ، ودرع المرأة مذكر. (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قال ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : قدر المسمار لا يكون دقيقا فيسلس ولا غليظا فيفصمها.
(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) جعله الكسائي نسقا على (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) وقال : المعنى : وألنّا لسليمان الرّيح ، وقال أبو إسحاق : التقدير : وسخّرنا لسليمان الريح : وقرأ عاصم (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) (٣) بالرفع بالابتداء أو بالاستقرار أي لسليمان الريح ثابتة وفيه ذلك
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٢٥٣.
(٢) انظر الكتاب ٢ / ١٨٨.
(٣) انظر تيسير الداني ١٤٦ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٢٧.