(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) هذه قراءة شيبة ونافع وأبي عمرو وعاصم ، وقرأ شقيق بن سلمة ويزيد بن القعقاع ويحيى بن وثّاب وحمزة والكسائي هل من خالق غير الله (١) ويجوز نصب غير على الاستثناء. والرفع من جهتين :
إحداهما بمعنى : هل من خالق إلّا الله بمعنى ما خالق إلّا الله ، والوجه الثاني أن يكون نعتا على الموضع ، لأن المعنى هو خالق غير الله. والخفض على اللفظ ، وقال حماد ابن سلمة : حدّثنا حميد الطويل قال : قلت للحسن : من خلق الشرّ؟ فقال : سبحان الله ، هل من خالق غير الله جلّ وعزّ الله خلق الخير والشرّ.
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) تأسيا له صلىاللهعليهوسلم. (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) قال أبو إسحاق : أي الأمور مرجعها إلى الله جلّ وعزّ فيجازي من كذّب وينصر من كذّب من رسله.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) قال سعيد بن جبير : غرور الحياة الدنيا أن يشغل الإنسان بنعيمها وفتنتها عن عمل الآخرة حتى (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) [الفجر : ٢٤] (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ). وقال شعبة عن سماك (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) (٢) بضم الغين. وفيه ثلاثة أقوال : منها أن يكون مع غار ، كما تقول جالس وجلوس ، وهذا أحسن ما قيل فيه ، ويكون معناه كمعنى «الغرور» ، قال أبو حاتم :
الغرور جمع غر ، وغر مصدر ، والقول الثالث يكون الغرور مصدرا ، وهذا بعيد عند أبي إسحاق لأن غررته متعد ، والمصدر من المتعدّي إنّما هو على فعل نحو ضربته ضربا إلّا أشياء يسيرة سمعت لا يقاس عليها قالوا : لزمته لزما ، ونهكه المرض نهوكا. فأما معنى هذا الحرف فأحسن ما قيل فيه ما قاله سعيد بن جبير ، قال : الغرور بالله جلّ وعزّ أن يكون الإنسان يعمل المعاصي ثم يتمنّى على الله جلّ وعزّ المغفرة.
(إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) ويكون عدوّ بمعنى معاد فيثنّى ويجمع ويؤنث ، ويكون بمعنى النسب فيكون موحّدا بكلّ حال كما قال جلّ وعزّ : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) [الشعراء :
٧٧] وفي المؤنث على هذا عدوّ أيضا. فأما قول بعض النحويين : إن الواو خفيّة فجاؤوا بالهاء فخطأ بل الواو حرف جلد. (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) مفعولان. (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ)
__________________
(١) انظر تيسير الداني ١٤٨ ، وفيه (غير الله) بخفض الراء قراءة حمزة والكسائي والباقون برفعها.
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ١٢٢.