كفّت «ما» «إنّ» عن العمل فوقع بعدها الفعل (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ)
(الَّذِينَ كَفَرُوا) يكون بدلا من «أصحاب» ويكون في موضع خفض ، ويكون بدلا من حزبه فيكون في موضع نصب ، أو يكون بدلا من الواو فيكون في موضع رفع ، وقول رابع ، وهو أحسنها ، يكون في موضع رفع بالابتداء ويكون خبره (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ). فأما (وَالَّذِينَ آمَنُوا) ففي موضع رفع بالابتداء وخبره (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).
(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) «من» في موضع رفع بالابتداء ، وخبره محذوف لما دلّ عليه. قال الكسائي : والذي دلّ عليه. (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) والمعنى : أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا ذهبت نفسك عليهم حسرات ، قال : وهذا كلام عربي حسن ظريف لا يعرفه إلّا قليل. والذي قاله الكسائي أحسن ما قيل في الآية لما ذكره فمن الدلالة على المحذوف ، والمعنى أنّ الله جلّ وعزّ نهى النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن شدّة الاغتمام بهم والحزن عليهم كما قال جلّ وعزّ (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) [الشعراء : ٣] قال أهل التفسير : أي : قاتل نفسك ، وقرئ على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا نصر بن علي قال : سألت الأصمعي عن قول النبي صلىاللهعليهوسلم في أهل اليمن «هم أرقّ قلوبا وأبخع طاعة» (١) ما معنى أبخع طاعة ، قال أنصح طاعة قال : فقلت له : إنّ أهل التفسير مجاهدا وغيره يقولون : في قول الله جلّ وعزّ (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) معناه قاتل نفسك فقال : هو من ذلك بعينه كأنه من شدّة النصح لهم قاتل نفسه ، وقراءة أبي جعفر (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ) (٢) والمعنيان متقاربان و «حسرات» منصوب على أنه مفعول من أجله أو مصدر.
و (بَلَدٍ مَيِّتٍ) وميّت (٣) واحد ، وكذا ميتة وميتة واحد. هذا قول الحذّاق من النحويين ، وقال محمد بن يزيد : هذا قول البصريين ولم يستثن أحدا واستدلّ على ذلك بدلائل قاطعة من كلام العرب.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في المناقب ١٠ / ٢٨٦.
(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٢٨٨ ، ومعاني الفراء ٢ / ٣٦٧.
(٣) انظر تيسير الداني ٧٣.