متقدما مجموعا؟ ففيه ستة أقوال : يكون بدلا من الواو ، وعلى إضمار مبتدأ ، ونصبا بمعنى أعني ، وأجاز الفراء أن يكون خفضا بمعنى اقترب للناس الذين ظلموا حسابهم ، وأجاز الأخفش أن يكون على لغة من قال : «أكلوني البراغيث» ، والجواب السادس أحسنها وهو أن يكون التقدير: يقول الذين ظلموا ، وحذف القول مثل (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٣] فالدليل على صحّة هذا الجواب أنّ بعده (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فهذا الذي قالوه والمعنى : هل هذا إلّا بشر مثلكم. وقد بين الله جلّ وعزّ أنه لا يجوز أن يرسل إليهم بشرا ليفهموا عنه ويعلّمهم ، ثمّ قال (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) والسحر في اللغة كلّ مموّه لا حقيقة له ولا صحة (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) قيل : معناه وأنتم تبصرون أنه إنسان مثلكم ، وقيل : وأنتم تعقلون لأن العقل هو البصر بالأشياء.
قل ربي وفي مصاحف أهل الكوفة (قالَ رَبِّي) (١) فقيل : إنّ القراءة الأولى أظهر وأولى ؛ لأنهم أسرّوا هذا القول فأظهر الله عليه نبيّه وأمره أن يقول لهم هذا. قال أبو جعفر : والقراءتان صحيحتان. وهما بمنزلة الآيتين ، وفيهما من الفائدة أنه صلىاللهعليهوسلم أمر وأنه قال كما أمر.
(بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) قال أبو إسحاق : أي بل قالوا الذي يأتي به أضغاث أحلام ، وقال غيره : هو أحلام اختلاط. والمعنى كالأحلام المختلطة فلما رأوا أن الأمر ليس كما قالوا انتقلوا عن ذلك فقالوا : (بَلِ افْتَراهُ) ثم انتقلوا عن ذلك فقالوا : (بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) أي كما أرسل موسى صلىاللهعليهوسلم بالعصا وغيرها من الآيات ، وكان هذا منهم تعنّتا إذ كان الله جلّ وعزّ قد أعطاه من الآيات ما فيه كفاية ، ويبيّن الله جلّ وعزّ أنّهم لو كانوا يؤمنون لأعطاهم ما سألوا كقوله : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال : ٢٣].
(ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي من أهل قرية و «من» زائدة للتوكيد.
__________________
(١) انظر تيسير الداني ١٢٥ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٧٦.