أبيح ولم يمنع منه. فإذا كان حرام وحرم بمعنى واحد فمعناه أنه قد ضيّق الخروج منه ومنع فقد دخل في باب المحظور بهذا ، فأما قول أبي عبيد : إنّ «لا» زائدة فقد ردّه عليه جماعة ؛ لأنها لا تزاد في مثل هذا الموضع ، ولا فيما يقع فيه إشكال ، ولو كانت زائدة لكان التأويل بعيدا أيضا ، لأنه إن أراد وحرام على قرية أهلكناها أنهم يرجعون إلى الدنيا. فهذا ما لا فائدة فيه ، وإن أراد التوبة فالتوبة لا تحرّم.
(حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) وقرأ عاصم والأعرج (يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) (١) بالهمز. قال أبو إسحاق : هما مشتقّان من أجّة الحريق ، ومن ملح أجاج. ولا يصرف ، تجعلهما اسما للقبيلتين على فاعول ومفعول ، ومن لم يهمز جعلهما أعجميين على قول أكثر النحويين. قال الأخفش : يأجوج : من يججت ، ومأجوج :
من مججت. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) قال : من كل شرف يقبلون. والتقدير في العربية : حتّى إذا فتح سدّ يأجوج ومأجوج ، مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢]. فأما جواب إذا ففيه ثلاثة أقوال : قال الكسائي والفراء : حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحقّ والواو عندهما زائدة ، وأنشد الفراء : [الطويل]
٣٠٣ ـ فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى |
|
بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل (٢) |
المعنى عنده انتحى. وأجاز الكسائي أن يكون جواب إذا (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) والقول الثالث أنّ المعنى قالوا (يا وَيْلَنا) ثم حذف قالوا. وهذا قول أبي إسحاق ، وهو قول حسن. قال الله جلّ وعزّ : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ) [الزمر : ٣] المعنى قالوا ، وحذف القول كثير.
المعنى إنكم والأوثان التي تعبدونها من دون الله. ولا يدخل في هذا عيسى صلىاللهعليهوسلم ، ولا عزير ، ولا الملائكة ؛ لأن «ما» لغير الآدميين. والمعنى : لأن أوثانهم تدخل معهم
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٣ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٣١.
(٢) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ١٥ ، وأدب الكاتب ٣٥٣ ، والأزهية ٢٣٤ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٣ ، ولسان العرب (جوز) ، وتاج العروس (عقل) ، والمنصف ٣ / ٤١ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٤٢٥.