على قراءة من قرأ (خَسِرَ) (١) وقرأ مجاهد وحميد خاسر الدنيا والآخرة (٢) نصبا على الحال خسر الدنيا بذمّ الله جل وعز إياه وأمره بلعنه وأن لا حظّ له في غنيمة ولا ثناء وخسر الآخرة بأن لا ثواب له فيها.
(ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) قال الفراء : أي الطويل.
(يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) قد ذكرنا فيه أقوالا : منها قول الكسائي إن اللام في غير موضعها ، وإن التقدير يدعو من لضرّه أقرب من نفعه. قال أبو جعفر : وليس للام من التصرف ما يوجب أن يجوز فيها تقديم وتأخير. وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد قال : في الكلام حذف ، والمعنى : يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه إلها. قال : وأحسب هذا القول غلط على محمد بن يزيد ؛ لأنه لا معنى له لأنّ ما بعد اللام مبتدأ فلا يجوز نصب إله ، وما أحسب مذهب محمد بن يزيد إلّا قول الأخفش سعيد ، وهو أحسن ما قيل في الآية عندي ، والله أعلم. قال : «يدعو» بمعنى يقول و «من» مبتدأ وخبره محذوف ، والمعنى : يقول لمن ضرّه أقرب من نفعه إلهه ، ولو كانت اللام مكسورة لكان المعنى يدعو إلى من ضرّه أقرب من نفعه. وقال الله جلّ وعزّ : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) [الزلزلة : ٥] أي إليها. (لَبِئْسَ الْمَوْلى) في موضع رفع ببئس. وقد شرحنا مثل هذا (٣).
قد تكلّم النحويون في معنى هذه الآية وفي بيان ما أشكل منها. فمن أحسن ما قيل فيها أنّ المعنى : من كان يظنّ أن لن ينصر الله جلّ وعزّ محمدا صلىاللهعليهوسلم ، وأنه يتهيّأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه ، فليمدد بسب إلى السماء أي فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) أي ثم ليقطع النصر إن تهيّأ له (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) وحيلته ما يغيظه من نصر النبيّ صلىاللهعليهوسلم والفائدة في الكلام أنه إذا لم يتهيّأ له الكيد والحيلة بأن يفعل
__________________
(١) هذه قراءة الجمهور ، انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٠.
(٢) وهذه قراءة الأعرج وابن محيصن وقعنب والجحدري وابن مقسم أيضا ، انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٠ ، والمحتسب ٢ / ٧٥.
(٣) مرّ في إعراب الآية ١٥١ ، آل عمران.