قال الفراء (١) : أي إلّا من أزواجهم اللاتي أحلّ الله جلّ وعزّ لهم الأربع لا تجاوز. (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) في موضع خفض معطوفة على أزواجهم و «ما» مصدر.
وقد أخبر جلّ وعزّ أنه لا يحبّ المعتدين ، وإذا لم يحبّهم أبغضهم وعاداهم لا واسطة في ذلك.
وقرأ المكّيّون (لأمانتهم) (٢) على واحدة. قال أبو جعفر : أمانة مصدر يؤدي عن الواحد والجمع ، فإذا أردت اختلاف الأنواع جاز الجمع والتوحيد إلّا أن الجمع هاهنا حسن ؛ لأن الله جل وعز قد ائتمن العباد على أشياء كثيرة منها الوضوء وغسل الجنابة والصلاة والصيام وغيرهن. فأما احتجاج أبي عبيد في اختياره لأماناتهم بقوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) [النساء : ٥٨] فمردود لا يشبهه هذا ؛ لأن الأمانات هاهنا هو الشيء بعينه بمنزلة الودائع ، وليس مثل ذلك. ألا ترى أن بعده (وَعَهْدِهِمْ) ولم يقل وعهودهم فالجمع والتوحيد جائزان.
(أُولئِكَ) مبتدأ «هم» مبتدأ ثان ، وإن شئت كانت فاصلة. (الْوارِثُونَ) على أن قوله «هم» فاصلة خبر «أولئك» ، وعلى القول الآخر خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر «أولئك» وروى الزّهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهنّ دخل الجنّة ثم قرأ (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (٣) إلى عشر آيات. قال أبو جعفر : معنى «من أقامهنّ» من قام عليهنّ ولم يخالف ما فيهنّ ، وأدّاه ، كما تقول : فلان يقوم بعمله ، ثم نزل بعد هذه الآيات فرض الصوم والحجّ فدخل معهن.
والذين قرءوا «لأماناتهم» قرءوا (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) إلّا عاصما فإنه قرأ فخلقنا المضغة عظما (٤) فكسونا العظام لحما ، وكذا قرأ الأعرج وقتادة وعبد الله بن عامر. والقراءة الأولى حسنة بيّنة لأن المضغة تفترق فتكون عظاما
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٣١.
(٢) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٤٤ ، والبحر المحيط ٦ / ٣٦٧.
(٣) أخرجه الترمذي في سننه ـ التفسير ١٢ / ٣٥.
(٤) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٤٤.