فالجمع في هذا أبين والتوحيد جائز يكون يؤدي عن الجمع ، وقال أبو إسحاق في العلة في جوازه لأنه قد علم أن الإنسان ذو عظام ، واختار أبو عبيد الجمع واحتجّ بقول الله جلّ وعزّ : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها) [البقرة : ٢٥٩] أي لأنهم قد أجمعوا على هذا. وهذا التشبيه غلط لأن المضغة لمّا كانت تفترق عظاما كان كلّ جزء منها عظما فكل واحد منها يؤدي عن صاحبه فليس كذا «وانظر إلى العظام» لأن هذا إشارة إلى جمع ، فإن ذكرت واحدا كانت الإشارة إلى واحد. (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) مجاز ، و (خَلْقاً) مصدر لأنّ معنى أنشأناه خلقناه ، واحد الطرائق طريقة.
(وَشَجَرَةً) معطوف على (جَنَّاتٍ) [آية : ١٩] ، وأجاز الفراء الرفع (١) لأنه لم يظهر الفعل بمعنى «وثمّ شجرة» (تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) بفتح السين قراءة الك وفيين على وزن فعلاء. وفعلاء في الكلام كثير يمتنع من الصرف في المعرفة والنكرة ؛ لأن في آخرها ألف التأنيث وألف التأنيث ملازمة لما هي فيه ، وليس في الكلام فعلاء ولكن من قرأ (سيناء) (٢) بكسر السين جعله فعلالا ، ومنعه من الصرف على أنه للبقعة وقال الأخفش : هو اسم عجمي. وقد ذكرنا (٣) تنبت وتنبت.
مصدر ، ومنزلا بفتح الميم بمعنى اجعل لي منزلا. قال أبو إسحاق : ومن قرأ (مُنْزَلاً) (٤) بفتح الميم والزاي جعله مصدرا من نزل نزولا منزلا.
وزعم الفراء (٥) أن معنى (وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) على حذف «منه» أي ويشرب مما تشربون منه. وذا لا يجوز عند البصريين فلا يحتاج إلى حذف البتّة لأن «ما» إذا كانت مصدرا لم تحتج إلى عائد فإن جعلتها بمعنى الّذي وحذفت المفعول ، ولم يحتج إلى إضمار من. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ) (٦) بما لا يحتاج إلى زيادة.
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٣٣.
(٢) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٤٤ ، والبحر المحيط ٦ / ٣٧١.
(٣) انظر إعراب الآية ٣٧ ، آل عمران.
(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٧٢.
(٥) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٣٤.
(٦) مرّ في إعراب الآية ١٥٧ ـ آل عمران.