(تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) ويقال : «تنفح» في معنا إلّا أن «تلفح» أبلغ بأسا. (وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) ابتداء وخبر ، ويجوز النصب في غير القرآن على الحال. والكالح في كلام العرب الذي قد تشمّرت شفتاه وبدت أسنانه كما ترى رؤوس الغنم. وقد جاء عن النبيصلىاللهعليهوسلم التوقيف بمعنى هذا قال : «تحرق واحدهم النار فتقلص شفته العليا حتّى تبلغ وسط رأسه ، وتسترخي شفته السفلى حتّى تبلغ سرّته» (١).
(قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم ، وقرأ الكوفيون إلا عاصما شقاوتنا (٢) وهذه القراءة مروية عن ابن مسعود والحسن. ويقال : شقا وشقاء بالقصر والمدّ. وأحسن ما قيل في معناه والأهواء شقوة لأنهما يؤديان إليها ، كما قال جلّ وعزّ : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) [النساء : ١٠] لأن ذلك يؤديهم إلى النار (وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) أي كنا في فعلنا ضالين عن الهدى. وليس هذا اعتذارا منهم إنّما هو إقرار ويدل على ذلك (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ).
(قالَ اخْسَؤُا فِيها) والمصدر خسء في اللازم والمتعدّي على فعل.
(إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا) قال مجاهد : هم بلال وخبّاب وصهيب وفلان وفلان من ضعفاء المسلمين ، كان أبو جهل وأصحابه يهزئون بهم.
(فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) بالكسر والضم. وفرق أبو عمرو بينهما فجعل المكسورة من جهة التهزّؤ ، والمضمومة من جهة السّخرة. ولا يعرف هذا التفريق الخليل وسيبويه رحمهماالله ، ولا الكسائي ولا الفراء (٣). قال الكسائي : هما لغتان بمعنى واحد كما
__________________
(١) أخرجه الترمذي في سننه ، صفة الجنة ١٠ / ٥٦.
(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٨٩ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٤٨.
(٣) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٤٣.