على إضمار مبتدأ.
(كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٤)
بإدغام اللام في الراء وترك الإمالة قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو ، وقرأ الأعمش وعاصم وحمزة والكسائي بإدغام غير أنهم أمالوا ، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق (بَلْ رانَ) (١) بغير إدغام. قال أبو جعفر : والإدغام في هذا أولى لقرب اللام من الراء وترك الإمالة أولى لأنه لا ياء فيه ولا كسرة ، وإنما الإمالة محمولة على المعنى ؛ لأنه من ران يرين مشتق من الرّين كما قرئ على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل عن عارم قال : سألت الأصمعي عن حديث النبي صلىاللهعليهوسلم «إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله عزوجل مائة مرة» (٢) فقال : التوقي في الكلام في حديث رسول الله كالتوقي في القرآن ولكن العرب تسمي الغيم إذا كان دون الغيم رقيقا الغين والرّين. قال أبو جعفر : فهذا الإعراب والاشتقاق فأما المعنى فقال فيه مجاهد : للقلب أصابع فإذا أذنب عبد انقبض منها إصبع ثم إن أذنب انقبضت منها أخرى حتى تنقبض كلّها ، ويطبع على قلبه فلا ينفع فيه موعظة. قال أبو جعفر : وأولى ما قيل في هذا ما صحّ عن النبي صلىاللهعليهوسلم كما قرئ على أحمد بن شعيب عن قتيبة عن الليث عن محمد بن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي قال : «إذا أخطأ العبد خطيئة وكت في قلبه وكتة يعني سوداء فإن نزع واستغفر وتاب صقل قلبه وإن عاد زيد فيها حتّى يعلو قلبه فذلك الرين الذي ذكره جلّ وعزّ (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٤) (٣).
(كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١٥)
في معناه قولان : أحدهما أنه دلّ بهذا على أنّ المؤمنين لا يحجبون عن النظر إليه جلّ وعزّ. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا ما قاله مالك بن أنس في ذلك وسئل الشافعي رحمهالله عن النظر إلى الله جلّ وعزّ يوم القيامة فقال : يدل عليه (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (١٥) والقول الآخر أنّ التقدير : عن كرامة ربّهم مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)] يوسف : ٨٢] . قال أبو جعفر : وهذا خطأ على مذهب النحويين منهم الخليل وسيبويه ، ولا يجوز عندهما ولا عند غيرهما من النحويين : جاءني زيد ، بمعنى جاءني غلامه وجاءتني كرامته.
(ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ) (١٦)
(ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ) لأنه للمستقبل فمن حذف النون تخفيفا قال : لصالو الجحيم بالخفض على الإضافة ومن حذفها لالتقاء الساكنين نصب.
__________________
(١) انظر تيسير الداني ١٧٩.
(٢) انظر إتحاف السادة المتقين ٨ / ٥١٧.
(٣) انظر مستدرك الحاكم ١ / ٥ ، وتفسيري الطبري ٣٠ / ٦٢ ، وكنز العمال (١٢٨٨).