علي بن سليمان يقول : قلت لأبي العباس محمد بن يزيد لمّا احتجّ بهذه الحجج التي لا تدفع : ما هذا الذي قد وقع للكتّاب وأنس به الخاصّ والعامّ من كتب ذوات الياء بالياء حتى صار التعارف عليه فقال : الأصل في هذا أن أبا الحسن الأخفش كان رجلا محتالا لشيء يأخذه ، فقال لأبي الحسن الكسائي : قد استغنى من نحتاج إليه من النحو فنحتاج أن نجتمع على شيء نضطرهم إليه فاتّفقا على هذا وأحدثاه ، ولم يكن قبلهما ، وشاع في الناس لتمكن الكسائي من السلطان. ولعلّ بعض من لا يحصّل يتوهّم أنّ هذا مذهب سيبويه لأنه أشكل عليه شيء من كلامه في مثله قوله الياء في مثل سكرى وإنما أراد سيبويه أنها تثنّى بالياء ، وليس من كلام سيبويه الاعتلال في الخطوط. قال أبو جعفر : ثم رجعنا إلى الإمالة فحمزة يميل ما كان من ذوات الياء ويفخم ما كان من ذوات الواو ، والكسائي يميل الكل وأبو عمرو بن العلاء يتبع بعض الكلام بعضا فإن كانت السورة فيها ذوات الياء وذوات الواو أمال الكل ، والمدنيون يتوسطون فلا يميلون كلّ الميل ولا يفخمون كل التفخيم. قال أبو جعفر : وليس في هذه المذاهب خطأ ؛ لأن ذوات الواو في الأفعال جائز إمالتها ؛ لأنها ترجع إلى الياء فيجوز «والضحى» (وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) (٢) ممالا ، وإن كان يقال : سجا يسجو ؛ لأنه يرجع إلى الياء في قولك : سجيت.
(ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (٣)
قال الضحّاك : وما قلاك. قال أبو جعفر : العرب تحذف من الثاني لدلالة الأولى. يقال : أعطيتك وأكرمت ، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ما ودّعك ربّك وما قلى قال : يقول : ما تركك وما أبغضك وحكى أبو عبيدة (١) : ودعك مخفّفا ، ومنع سيبويه (٢) أن يقال : ودع ، قال : استغنوا عنه بترك. قال أبو جعفر : والعلّة عند غيره أن العرب تستثقل الواو في أول الكلمة لثقلها يدلّ على ذلك أنها لا توجد زائدة في أوّل الكلام ، وتوجد أختها الياء نحو يعملة ويربوع ، وأنك إذا صغّرت واصلا قلت : أو يصل لا غير ، وفي الجمع أواصل ، ويقال : قلاه يقلّيه إذا أبغضه ، ويقال أيضا : يقلاه.
(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) (٤)
الأصل أخير ثم خفّف لكثرة الاستعمال.
(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (٥)
__________________
(١) انظر مجاز القرآن ٢ / ٣٠٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٨٠.
(٢) انظر الكتاب ١ / ٥٠.