قد قرأ بالفتح من تقوم الحجة بقراءته. روى الأعمش عن إبراهيم بن علقمة أنه قرأ و «أن» في السورة كلها. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي بالفتح في السورة كلها إلى قوله : (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي)] الواقعة : ٢٠] فلمّا أشكل عليه هذا عدل إلى قراءة أهل المدينة ؛ لأنها بينة واضحة. والقول في الفتح أنه معطوف على المعنى ، والتقدير فآمنّا به وآمنّا أنه تعالى جدّ ربنا فإنه في موضع نصب. وأحسن ما روي في معنى «جدّ ربّنا» قول ابن عباس : إنه الغنى والعظمة والرفعة ، وأصل الجدّ في اللّغة الارتفاع. من ذلك الجدّ أبو الأب. ومنه الجدّ الحظ وباللغة الفارسية البخت. ويقال : إنّ الجنّ قصدوا إلى هذا وأنهم أرادوا الرفعة والحظ أي ارتفع ربنا عن أن ينسب إلى الضعف الذي في خلقه من اتّخاذ المرأة وطلب الولد والشهوة. يدلّ على هذا أن بعده (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) وقد زعم بعض الفقهاء أنه يكره أن تقول : وتعالى جدّك ، واحتجّ بأن هذا إخبار عن الجنّ. وذلك غلط لأنه قد صحّ عن النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك ولم يذمّ الله الجنّ على هذا القول. وروي عن عكرمة : «وأنه تعالى جدّا ربّنا».
(وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً) (٤)
السّفه رقة الحلم ، وثوب سفيه أي رقيق ، وفتح أن أيضا حملا على المعنى أي صدّقنا وشهدنا. والشطط البعد ، كما قال :] الكامل]
٤٩٩ ـ شطّت مزار العاشقين فأصبحت (١)
(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) (٥)
لاستعظامهم ذلك ، والظنّ هاهنا الشك.
(وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) (٦)
اسم كان وخبرها (يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) مفعول ثان.
(وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) (٧)
(وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ) وإن فتحت أن حملته أيضا على المعنى أي علمنا أنهم ظنوا كما ظننتم (أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) «أن» وما بعدها في موضع المفعولين لظننتم إن أعملته وإن أعملت الأول نويت بها التقدّم.
__________________
(١) الشاهد لعنترة في ديوانه ١٠٩ ، ولسان العرب (زأر) و (زور) و (شطط) ، وتاج العروس (زور) و (شطط) و (ركل) ، وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٣ / ٤٢. وعجزه :
عسرا عليّ طلابها ابنة مخرم»